الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الناسية فتنقسم حالها ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون ناسية لقدر حيضها ووقته .

القسم الثاني : أن تكون ناسية لقدر حيضها ذاكرة لوقته .

والقسم الثالث : أن تكون ناسية لوقت حيضها ذاكرة لقدره .

فأما القسم الأول وهو الناسية لقدر حيضها ووقته ، فصورته في امرأة اتصل دمها واستدام وهو على صفة واحدة لا يتميز ولها عادة في الحيض سالفة ، قد نسيت قدرها ، ولا تعلم هل كان يوما أو خمسا أو عشرا أو خمسة عشر ، ونسيت وقتها فلا تعلم هل كان في أول الشهر أو وسطه أو في آخره ؟ هل كانت تحيض في كل شهر أو شهرين أو في كل سنة أو سنتين ، فهذه يسميها أصحابنا المتحيرة لإشكال أمرها وترددها بين أمرين متباينين ، وإذا كان كذلك ، فقد كان بعض أصحابنا يغلط في هذه المسألة فيخرجها على قولين كالمبتدأة لما اشتبه عليه كلام الشافعي حيث يقول في كتاب العدد " وإذا ابتدأت مستحاضة أو نسيت أيام حيضها تركت الصلاة لأقل ما تحيض له النساء ، وذلك يوم وليلة " فظن أنه أراد هذه الناسية وهذا غير صحيح : لأن أول زمان حيضها مجهول ، فلا معنى لاعتبار الاجتهاد مع الجهل بالزمان ، ولأصحابنا عما ذكره الشافعي في كتاب العدد جوابان :

أحدهما : أنه جمع بين المبتدأة والناسية ، وعطف بالجواب عليهما مريدا للمبتدأة دون الناسية وكثيرا ما يفعل الشافعي مثل هذا .

والجواب الثاني : أنه أراد الناسية لقدر حيضها إذا كانت ذاكرة لوقته على ما سنذكره .

فأما الناسية للأمرين قدرا ووقتا ، فهي مجهولة الحيض والطهر ، وهي في محظورات الحيض على ثلاثة أقسام . .

قسم يجب عليها اجتنابه ، وقسم يجب عليها فعله ، وقسم يختلف فيه .

فأما القسم الذي يلزمها اجتنابه فهو حمل المصحف أو دخول المسجد وقراءة القرآن [ ص: 410 ] في غير الصلاة والتطوع بنفل الصلاة والصيام والطواف ، فتمنع من هذا كله : خوفا من أن تكون حائضا ، وليس يضرها تركه إن كانت طاهرا .

فأما القسم الذي يلزمها فعله وهو ما كان فرضا من الصلاة والصيام والطواف ، فيلزمها فعله : لجواز أن تكون طاهرا ، وليس يسقط فرضه بالشك .

وأما القسم المختلف فيه فشيئان :

أحدهما : وطء الزوج .

والثاني : سنن الصلوات الموظفات ، وفيهما وجهان :

أحدهما : أنها ممنوعة منهما وأما وطء الزوج فلربما صادف حيضا محظورا ، فلم يجز أن تستبيحها بالشك ، وأما السنن من الصلوات الراتبة ، فلأن فعلها في الحيض أغلظ من تركها في الطهر .

والوجه الثاني : أنها ممكنة منهما غير ممنوعة من فعلهما ، أما وطء الزوج فلأمرين :

أحدهما : أنه مستحق الاستمتاع بها يقينا ، فلا يمنع منها شك .

والثاني : أن منعه منها مع استدامة حالها يحرم عليه مع بقاء النكاح ، وليست كالمبتدأة إذا أشكل حالها ، لأن زمان الشك يسير .

وأما السنن من الصلوات فلأمرين :

أحدهما : أنها تبع للمفروضات في الفعل والترك ، فلما كانت مأمورة بفعل المفروضات صارت مأمورة بفعل المسنونات .

والثاني : أن تعارض الشكين قد تقابلا ، والأصل الأمر بالفعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية