الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن يكون الصبغ مما يمكن استخراجه ، فللغاصب ورب الثوب أربعة أحوال :

أحدها : أن يتفقا على تركه في الثوب وبيعه مصبوغا فيجوز ويكون بالقول فيه بعد بيعه كالقول فيما لا يمكن استخراج صبغه .

والحال الثاني : أن يتفقا على استخراجه منه فذلك جائز ليصل الغاصب إلى صبغه ورب الثوب إلى ثوبه ، فإن استخرجه وأثر في الثوب نقصا ضمنه به .

والحال الثالث : أن يدعو الغاصب إلى استخراجه ويدعو رب الثوب إلى تركه فللغاصب أن يستخرجه سواء نفعه أو لم ينفعه ؛ لأنها عين فملكها ، والأعيان المملوكة لا يقهر ملاكها عليها لعدم المنفعة ، فعلى هذا يكون ضامنا لنقص الثوب ونقص الزيادة الحادثة فيه بدخول الصبغ ؛ لأن رب الثوب قد ملكها ففوتها الغاصب عليه باستخراج صبغه ، مثاله أن تكون قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة فيساوي الثوب مصبوغا ثلاثين ، وبعد استخراج الصبغ منه خمسة ، فيضمن الغاصب عشرة خمسة منها هي نقص الثوب قبل صبغه ، وخمسة أخرى هي نقص قسطه من الزيادة الحادثة بعد صبغه .

والحال الرابع : أن يدعو رب الثوب إلى استخراجه ويدعو الغاصب إلى تركه فهذا على وجهين :

أحدهما : أن يتركه استبقاء لملك الصبغ فيه ، فينظر فإن لم يكن الصبغ قد أحدث زيادة تفوت باستخراج الصبغ منه ففيه وجهان حكاهما ابن أبي هريرة : [ ص: 183 ] أحدهما : وهو اختيار أبي حامد ، أنه لا يجبر على استخراجه إذا امتنع لما فيه من استهلاك ماله مع قدرة رب الثوب على الوصول إلى استيفاء حقه بالبيع قال : وهو ظاهر كلام الشافعي - رضي الله عنه - ؛ لأنه مال ، قيل للغاصب : إن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص وإن شئت فأنت شريك بما زاد الصبغ فحصل الخيار إليه فدل ذلك من قوله على أنه لا يجبر عليه ، فعلى هذا يكون في حكم ما لا يمكن استخراجه إذا بيع . والوجه الثاني : وهو أصح ، أنه يجبر على أخذه ؛ لأنه عرق ظالم لا حرمة له في الاستبقاء فصار كالغرس ، والبناء ، ويكون تخير الشافعي - رضي الله عنه - له في الترك ، والاستخراج عند رضا رب الثوب بالترك ، فعلى هذا إن استخرجه ضمن نقص الثوب قبل الصبغ ، ولم يضمن نقصه بالزيادة في حالة الصبغ ؛ لأن رب الثوب هو الذي أتلفها على نفسه بإجبار الغاصب على استخراجه . والضرب الثاني : أن يتركه الغاصب عفوا عنه وإبراء منه ، فينظر فيه فإن كان قد أحدث نقصا في الثوب ، أو كان له مؤنة في الاستخراج ، أو كان قد جبر نقصا دخل على الثوب أجبر الغاصب على استخراجه ، وإن كان زيادة محضة ففيه وجهان :

أحدهما : أنها هبة عين لا يلزم رب الثوب قبولها ويجبر الغاصب على استخراجه .

والوجه الثاني : أنها زيادة متصلة تجري مجرى غير المتميزة كالطول ، والسمن في خروجها عن الهبة إلى المسامحة ، ولا يجبر الغاصب على الاستخراج . فهذا حكم الصبغ إذا أمكن استخراجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية