الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا رأت نصف يوم دما ونصف يوم نقاء ونصف يوم دما ونصف يوم نقاء مستمرا بها هكذا فلها حالتان :

إحداهما : أن تتجاوز خمسة عشر يوما .

والثانية : أن لا تتجاوزها ، فإن لم تتجاوزها وانقطع عند تقضيها فقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :

أحدها : إنه لا يكون حيضا حتى يستديم في أوله يوما وليلة دما ، ومن آخره يوما وليلة دما فيصير حينئذ ما بينهما من أنصاف الأيام حيضا فيكون تبعا لحيض في الطرفين .

والوجه الثاني : إن استدام في أوله يوما وليلة كان ما تعقبه من أنصاف الأيام حيضا ، ولا تعتبر استدامة اليوم والليلة في آخره ، لأن آخر اليوم تبع لأوله ، وما لم يستدم في الأول يوما وليلة دما فهو دم فساد ، وليس بحيض .

والوجه الثالث : وهو قول ابن سريج وأبي إسحاق وجمهور أصحابنا : أنه متى تلفق من الجملة يوم وليلة فصاعدا ، دما كان حيضا وإن لم يتصل ، ويستديم : لأنها أيام حيض قد [ ص: 427 ] وجد فيها من الدم قدر الحيض ، وهذا هو المذهب الذي يقع عليه التفريع فعلى هذا إن لم نلفق فحيضها أربعة عشر يوما ونصف : لأنها في النصف الثاني منه في طهر لم يتصل بدم الحيض ، وإن لفقنا كان حيضها سبعة أيام ونصف ، فعلى هذا لو رأت ثلث يوم دما وباقيه نقاء حتى استكملت خمسة عشر يوما ، فإن لم نلفق كان حيضها أربعة عشر يوما وثلثا ، وإن لفقنا كان حيضها خمسة أيام .

والحال الثانية : أن يتجاوز الدم أنصاف الأيام خمسة عشر يوما فهذه مستحاضة قد دخلت استحاضتها في حيضها ، فوجب أن ترد إلى تمييزها إن كانت مميزة ، فإذا ميزت أنصاف خمسة أيام دما أسود وباقيه دما أصفر ، فإن لم نلفق كان حيضها أربعة أيام ونصفا ، وإن لفقنا كان التلفيق من الخمس فيكون حيضها يومين ونصفا ، وإن لم تكن مميزة ردت إلى عادتها إن كانت معتادة فإن كانت عادتها عشرا ردت إلى العشر ، فإن لم نلفق كان حيضها تسعة أيام ونصفا ، وإن لفقنا فمن أين يكون التلفيق ؟ على ما مضى من القولين :

أحدهما : من أيام العادة فيكون حيضها خمسة أيام أيضا من عشر العادة .

والثاني : من أيام الحيض فيكون حيضها سبعة أيام ونصفا ، أنصاف أكثر الحيض خمسة عشر يوما ، وتصير عادتها في حكم الناقصة ، وإن لم يكن تمييز ولا عادة وكانت مبتدأة ففيما ترد إليه قولان :

أحدهما : إلى يوم وليلة أقل الحيض ، وإن لم نلفق ففيه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : وهو قول المروزي أنه لا حيض لهذه ، لأنها لم تر في اليوم والليلة كله دما .

والوجه الثاني : وهو قول ابن سريج أنها تحيض يوما وليلة من أوله ، وإن لم تر الدم في جميعه ، لأن النقاء على هذا في حكم الدم ، وإن لفقنا فإن قلنا : إن التلفيق من اليوم والليلة ، فلا حيض لهذه لا يختلف ، لأنه لا يتلفق من اليوم والليلة حيض ، فإن قلنا : إن التلفيق من أيام الحيض كان حيضها يوما وليلة من جملة يومين وليلتين .

والقول الثاني : إنها ترد إلى ستة أيام أو سبعة أيام فإذا ردت إلى السبع فإن لم نلفق كان حيضها ستة أيام ونصفا ، وإن لفقنا فمن أين يكون التلفيق على ما ذكرنا من القولين :

أحدهما : من السبع فيكون حيضها ثلاثة أيام ونصفا .

والثاني : من أيام الحيض فيكون حيضها سبعة أيام من جملة ثلاثة عشر يوما ونصف والله أعلم بالصواب .

فرع : وإذا رأت المرأة يوما وليلة دما وثلاثة عشر يوما طهرا ثم يوما وليلة دما ، وهو على [ ص: 428 ] قولي التلفيق ، فإن لم نلفق كان حيضها خمسة عشر يوما ، وإن لفقنا كان حيضها يومين الأول والخامس عشر ، وهكذا لو رأت نصف يوم دما وأربعة عشر يوما طهرا ونصف يوم دما ، فإن لم نلفق كان حيضها خمسة عشر يوما ، وإن لفقنا كان حيضها يوما واحدا ، وهو نصف الأول ونصف الأخير .

فرع : ولو رأت يوما وليلة دما وأربعة عشر يوما طهرا ويوما وليلة دما ، كان حيضها اليوم الأول ، وكان اليوم الأخير دم فساد ، وهكذا لو رأت يومين دما وثلاثة عشر يوما طهرا ويومين دما ، كان حيضها اليومين الأولين ، وكان اليومان الآخران فسادا ، ولا يجوز أن يلفق ما قبل الخمسة عشر يوما إلى ما بعدها قولا واحدا ، ولكن لو رأت يوما وليلة دما وأربعة عشر يوما طهرا ، ويوما وليلة دما ، كان حيضها اليوم الأخير دون الأول : لأن الأول بفقد الليلة يقصر عن أقل الحيض ، فلو رأت يوما بلا ليلة دما وأربعة عشر يوما طهرا ، ويوما بلا ليلة دما فكلا اليومين الأول والأخير دم فساد ، وليس لها حيض : لأن كل واحد منهما بانفراده لا يكون حيضا ، ولا يجوز لبعد ما بينهما عن قدر الحيض أن يلفق أحدهما إلى الآخر .

فرع : وإذا كانت عادتها من أول الشهر عشرا فرأت في يومين دما وستة أيام طهرا ويومين دما ، فإن لم نلفق كانت العشر كلها حيضا ، وهي على عادتها ، وإن لفقنا كان حيضها أربعة أيام اليومان الأولان واليومان الآخران ، وتصير عادتها ناقصة وحيضها متفرقا [ ولو كانت عادتها خمسة مرات ثلاثة أيام دما ، وأربعة أيام طهرا ، وثلاثة أيام دما ، فإن لم نلفق كان حيضها عشرة ، وقد زادت عادتها ولم تفرق ، وإن لفقنا كان حيضها ستة أيام الثلاثة الأولى ، والثلاثة الأخيرة ، وتصير عادتها زائدة ، وحيضها متفرقا ] .

فرع : فإذا رأت بين أثناء النقاء نصف اليوم الأول دما ، ونصف الخامس دما والخامس عشر والسادس عشر فإن كان النصفان الموجودان في الأول والخامس ينقصان عن أقل الحيض لعدم الليلة مع اليوم ، والنقصان دم فساد . وحيضها يوما الدم الخامس عشر والسادس عشر ، وإن كان الناقصان يبلغان أقل الحيض لوجود الليلة معهما ، فقد دخلت استحاضتها وحيضها ، ولم يجز أن يجمع بين الدمين لمجاوزة الثاني أكثر الحيض ، والواجب إن لم يكن تمييز أن ترد إلى عادتها فإن كانت عادتها خمسا ردت إليها ، فإن لم تلفق نظرت فإن كان ما رأته من الدم في اليوم الأول في نصفه الأول ، وما رأته في الخامس في نصفه الثاني فحيضها خمس للعادة من غير نقص ، ولا زيادة وإن كان ما رأته من الدم في اليوم الأول في نصفه الثاني ، وما رأته في الخامس في نصفه الأول كان حيضها أربعا ، وقد نقصت عادتها يوما ، وإن كان الدم الأول في نصفه الأول والثاني في نصفه الأول ، كان حيضها أربعة أيام ونصفا وقد نقصت عادتها نصف يوم وهكذا لو رأته بالعكس فهذا إذا لم نلفق فأما إذا لفقنا ، فإن [ ص: 429 ] قلنا : إن التلفيق من أيام العادة ، كان حيضها يوما هو نصف الأول ونصف الخامس ، وإن قلنا : إن التلفيق من أيام الحيض ، كان حيضها يومين وهما نصفان مع اليوم الخامس عشر دون السادس عشر ، لوجود الخامس عشر في أيام الحيض ووجود السادس عشر في غيرها ، فإن كانت عادتها في أقل من الخمس أو أكثر فاعتبره بما وصفنا فلولا خوف الإطالة لذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية