الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 226 ] مختصر الشفعة من الجامع من ثلاثة كتب متفرقة من بين وضع وإملاء على موطأ مالك ومن اختلاف الأحاديث ومما أوجبت فيه على قياس قوله ، والله الموفق للصواب

قال الشافعي رحمه الله : " أخبرنا مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ووصله من غير حديث مالك أيوب وأبو الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى حديث مالك واحتج محتج بما روي عن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الجار أحق بصقبه . وقال : فأقول للشريك الذي لم يقاسم وللمقاسم شفعة ، كان لصيقا أو غير لصيق ، إذا لم يكن بينه وبين الدار طريق نافذة . قلت له : فلم أعطيت بعضا دون بعض واسم الجوار يلزمهم ، فمنعت من بينك وبينه ذراع إذا كان نافذا ، وأعطيت من بينك وبينه رحبة أكثر من ألف ذراع إذا لم تكن نافذة ؟ فقلت له : فالجار أحق بسقبه لا يحتمل إلا معنيين لكل جار ، أو لبعض الجيران دون بعض ، فلما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شفعة فيما قسم ، دل على أن الشفعة للجار الذي لم يقاسم دون الجار الذي قاسم ، وحديثك لا يخالف حديثنا ؛ لأنه مجمل وحديثنا مفسر ، والمفسر يبين المجمل . قال : وهل يقع اسم الجوار على الشريك ؟ قلت : نعم . امرأتك أقرب إليك أم شريكك ؟ قال : بل امرأتي ؛ لأنها ضجيعتي . قلت : فالعرب تقول : امرأة الرجل جارته . قال : وأين ؟ قلت : قال الأعشى :


أجارتنا بيني فإنك طالقة وموموقة ما كنت فينا ووامقة     أجارتنا بيني فإنك طالقة
كذاك أمور الناس تغدو وطارقة     وبيني فإن البين خير من العصا
وأن لا تزال فوق رأسك بارقة     حبستك حتى لامني الناس كلهم
وخفت بأن تأتي لدي ببائقة     وذوقي فتى حي فإني ذائق
فتاة لحي مثل ما أنت ذائقة



فقال عروة نزل الطلاق موافقا لطلاق الأعشى . قال الشافعي رحمه الله : " وحديثنا أثبت إسنادا مما روى عبد الملك عن عطاء عن جابر ، وأشبههما لفظا وأعرفهما في الفرق بين [ ص: 227 ] المقاسم وبين من لم يقاسم ؛ لأنه إذا باع مشاعا باع غير متجزئ ، فيكون شريكه أحق به ؛ لأن حقه شائع فيه ، وعليه في الداخل سوء مشاركة ، ومؤنة مقاسمة ، وليس كذلك المقسوم " .

قال الماوردي : أما الشفعة ففي تسميتها بذلك تأويلان :

أحدهما : أن الرجل كان إذا أراد أن يبيع داره أتاه جاره ، أو شريكه فشفع إليه فيما باع ، فشفعه ، وجعله أولى ممن بعد سببه ؛ فسميت شفعة وسمي طالبها شفيعا ، وهذا قول أبي محمد بن قتيبة ، قاله في غريب الحديث .

والتأويل الثاني : سميت بذلك ؛ لأن طالبها جاء تاليا للمشتري ، فكان ثانيا بعد أول ؛ فسمي شفيعا ؛ لأن الاثنين شفع ، والواحد وتر ، وسمي الطلب شفعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية