الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثاني وهو ما تجب فيه الشفعة فهي عراص الأرضين ، وما يتبعها متصلا دون غيرها ، وجملة الأشياء أنها على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما وجبت فيه الشفعة مقصودا وهي عراص الأرضين المحتملة لقسمة الإجبار ، فإن لم تحتمل قسمة الإجبار لصغرها كالطريق الضيقة وبياض البير فلا شفعة فيه ، وقال أبو العباس بن سريج : يجب فيه الشفعة تعليلا بسوء المشاركة واستدامة الضرر بها لتعذر القسمة وبه قال أبو حنيفة ، وعند الشافعي - رضي الله عنه - أنه لا شفعة فيها تعليلا في وجوبها بالخوف من مئونة القسمة وأن ما لا ينقسم جبرا فلا شفعة فيه لارتفاع الضرر بمئونة القسمة .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا شفعة في فناء ، ولا طريق ، ولا منقبة ، ولا ركح ، ولا رهوة قال أبو عبيد : المنقبة : الطريق الضيقة بين الدارين ، والركح : ناحية البيت من ورائه ، وما كان فضاء لا بناء فيه ، يعني إذا كان للسابلة ، والمارة ، والرهوة : الجوبة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وغيره " .

والقسم الثاني : ما تجب فيه الشفعة تبعا وهو البناء ، والغرس ، إن كان مبيعا مع الأرض وجبت فيه الشفعة تبعا للأرض إن كان فيها ما يحتمل قسمة الإجبار وإن لم تحتملها لم تجب فيه الشفعة عند الشافعي - رضي الله عنه - ووجبت فيه عند أبي العباس بن سريج وهو قول أبي حنيفة .

وإن كان البناء والغرس منفردا عن الأرض في البيع فلا شفعة فيه عند الشافعي - رضي الله عنه - وأبي حنيفة .

وقال مالك : تجب الشفعة في البناء المفرد وفي الغراس وفي الثمار ، والمقاتي ، والمباطح لاتصاله بعراص الأرض المستحق فيها الشفعة ؛ وهذا خطأ لقوله صلى الله عليه وسلم : الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فجعل حدود القسمة شرطا في إبطال الشفعة فدل على استحقاقها فيما يجبر فيه على القسمة ، ولأن البناء ، والغراس تبع لأصله فلما لم يستحق في الأرض شفعة لخروجها عن العقد ، لم يجب في البناء والغراس شفعة وإن دخلت في العقد .

فإذا تقرر أن لا شفعة فيما أفرد بالبيع من البناء ، والغراس ، وكانت دار ذات علو مشترك [ ص: 234 ] وسفلها لغير الشركاء في علوها فباع أحد الشركاء في العلو حقه نظر في السقف فإن كان لأرباب السفل فلا شفعة في الحصة المبيعة من العلو ؛ لأنها بناء منفرد وإن كان السقف لأرباب العلو ففي وجوب الشفعة في الحصة المبيعة منه وجهان : أصحهما : لا شفعة فيه ؛ لأنه لا يتبع أرضا ، والوجه الثاني : فيه الشفعة ؛ لأن السقف كالعرصة .

ولقول الشافعي رضي الله عنه في كتاب الصلح : إن السقف أرض لصاحب العلو ولأنه إذا حاز أحدهما حصته من البناء والسقف ، أمكن سكناه كالأرض .

القسم الثالث : ما لا تجب فيه الشفعة لا مقصودا ، ولا تبعا وهو سائر الأشياء سوى ما ذكرناه وقال عطاء بن أبي رباح : الشفعة واجبة في كل مشترك في متاع وحيوان وغيره من صنوف الأموال ، وسيأتي الكلام معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية