فصل : والحالة الثالثة  
من أحوال الشفيع بعد علمه بالبيع وتمكنه من الأخذ : أن يمسك عن الطلب  ففيه ثلاثة أقاويل :  
أحدهما : وهو قوله في الجديد ، والإملاء ، وبه تقع الفتيا أن الشفعة قد بطلت بانقضاء زمان المكنة وأن حق طلبها على الفور .  
والقول الثاني : أن حق الشفعة مؤقت بثلاثة أيام بعد المكنة فإن طلبها إلى ثلاث كان على حقه ، وإن مضت الثلاث قبل طلبه بطلت .  
قال  
الشافعي      - رضي الله عنه - في كتاب السير قال : وهذا استحسان وليس بأصل  
والقول الثالث : أن حق الشفعة ممتد على التراخي من غير تقدير بمدة وبه قال في القديم . فإذا قيل بالقول الأول : إن حق الشفعة على الفور وبه قال  
أبو حنيفة   ، فوجهه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم :  
الشفعة كنشطة عقال فإن أخذها فهي له ، وإن تركها رجع باللائمة على نفسه  ولأن حق الشفعة موضوع لإزالة الضرر فاقتضى أن تكون على الفور كالرد بالعيب ، ولأن في استدامتها إدخال ضرر على المشتري مستديما إذ ليس يعلم بقاء ملكه فيتصرف ، ولا زوال ملكه فيطالب بالثمن ، وأن ما وضع لإزالة الضرر لم يجز أن يدخل به أعظم الضرر ، فعلى هذا القول يعتبر بالمكنة المعهودة من غير إرهاق ، ولا عجلة .  
فإذا علم مكن بعد العلم من لبس ثوبه ، وجمع ماله ، وغلق بابه ، وصلاة وقته فإذا توجه إلى المشتري مشى على مهل كعادته ، فإذا لقي المشتري جاز أن يبدأ بالسلام عليه قبل المطالبة ، وقال  
محمد بن الحسن      : إن قدم السلام على المطالبة بطل حقه من الشفعة ، وهذا خطأ لما فيه من ترك السنة المأثورة ، وخرق العادة المستحسنة .  
ولكن لو حادثه بعد السلام وقبل المطالبة بطل حقه من الشفعة ، وعلى هذا لو طلب ثم أمسك بعد الطلب من غير صريح بالعفو ، ولا تعريض بطلت شفعته حتى يكون مستديما للطلب بحسب المكنة .  
وقال  
أبو حنيفة      : " شفعته باقية أبدا إذا قدم الطلب ما لم يصرح بالعفو " .  
وقال  
محمد بن الحسن      : " شفعته باقية في زمان إمساكه إلى مدة شهر فإن طلب بعده ، وإلا سقطت شفعته ، وكلا المذهبين ؛ لأن المقصود بالطلب الأخذ فإذا أمسك عنه لم يكن للطلب تأثير ، وبطل بالإمساك خياره .