الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وكذلك لو أصابها هدم من السماء إما أخذ الكل بالثمن وإما ترك " .

قال الماوردي : وصورتها في رجل اشترى شقصا من دار فانهدمت بجائحة ، أو جناية ، أو شقصا من أرض فأخذ السيل بعضها فالذي نقله المزني هاهنا وقاله في القديم وفي كتاب التفليس من كتبه الجديدة : أن الشفيع مخير بين أن يأخذ الباقي بجميع الثمن ، أو يدع . وقال الشافعي - رضي الله عنه - في القديم : إن الشفيع يأخذ الباقي بحصته من الثمن ، واختلف أصحابنا في اختلاف هذين النقلين على خمسة مذاهب :

أحدها : وهو قول أبي الطيب بن أبي سلمة ، وأبي حفص بن الوكيل : أن المسألة لاختلاف النقلين على قولين :

أحدهما : أن يأخذ الباقي بجميع الثمن كالعبد المبيع إذا ذهبت عينه في يد البائع [ ص: 266 ] بجائحة ، أو جناية كان للمشتري إذا اختار الإمضاء أن يأخذه بجميع الثمن كذلك حال الشفعة .

والقول الثاني : أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ؛ لأن ما تناولته الصفقة بالثمن مقسط على أجزائه كما لو اشترى مع الشقص سيفا أخذ بحصته من الثمن .

والمذهب الثاني : وهو مذهب أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي : أنه يأخذ الباقي بحصته من الثمن قولا واحدا ونسبا إلى المزني الغلط فيما نقله في هذا الموضع ؛ لأنه لا يعرف للشافعي في شيء من منصوصاته ، وإنما رد على أهل العراق قولهم : إن ما انهدم بغير فعله أخذ بجميع الثمن ، وما انهدم بفعله ، أو فعل غيره أخذ بحصته من الثمن ، فغلط المزني في قول الشافعي إلى قول أهل العراق .

كما غلط من قول الشافعي إلى قول مالك فيما حكاه في كتاب الأيمان ، والنذور : إذا حلف على غريمه أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه منه ، فأخذه منه بحقه عوضا إن كان بقيمة الحق ، أو أكثر لم يحنث وإن كان أقل حنث ، فغلط وإنما ذلك قول مالك كذلك هاهنا ، وفرق بين الشفعة والفلس بفرض مضى في كتاب الفلس .

والمذهب الثالث ، وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : بأنه محمول على اختلاف حالين ، فالموضع الذي يأخذه بكل الثمن إذا ذهبت الآثار وكانت أعيان الآلة والبناء باقية ، والموضع الذي يأخذه بحصته من الثمن إذا كانت أعيان الآلة والبناء تالفة .

والوجه الرابع : أنه محمول على اختلاف حالين من غير هذا الوجه . فالموضع الذي يأخذه بكل الثمن إذا هدمه بفعل آدمي ، والموضع الذي يأخذه بحصته من الثمن ، إذا كان هدمه بجائحة سماوية ؛ لأنه في هدم الآدمي قد يرجع عليه بأرش النقص ، فلذلك أخذها بجميع الثمن ، وفي جائحة السماء ليس يرجع بأرض النقص ، فلذلك أخذها بحصته من الثمن وهذا المذهب ضد ما عليه أهل العراق .

والمذهب الخامس : أنه على اختلاف حالين من غير هذا الوجه ، فالموضع الذي يأخذه بكل الثمن إذا كانت العرصة باقية وإن تلفت الآلة ، والموضع الذي يأخذه بحصته من الثمن إذا ذهب بعض العرصة بسيل أو غرق ؛ لأن العرصة مقصودة ، والآلة تبع .

التالي السابق


الخدمات العلمية