الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثاني : وهو زمان النية فهو عند ابتداء الطهارة فإن كانت غسلا فعند أول إفاضة الماء على جسده ، فإن نوى بعد أن غسل بعض جسده أجزأته النية ، لكن عليه أن يعيد غسل ما غسله قبل نيته ، وإنما كان كذلك لأنه في الغسل لا يستحق عليه الابتداء بمحل من جسده فكل موضع منه في جواز الابتداء بغسله جائز ، فجاز أن ينوي عند غسله ولا يعتد بما غسله من قبل ، وإن كان وضوءا فالواجب عليه أن ينوي عند غسل وجه ، لأن المستحق عليه الابتداء بوجهه .

ومن حكم العبادة أن تكون النية منوطة بأولها ما خلا الصوم المخصوص بالشرع ، وإذا كان كذلك فله في النية أربعة أحوال :

أحدها : حال استحباب .

والثانية : حال جواز .

والثالثة : حال فساد .

والرابعة : حال اختلاف .

فأما الحالة الأولى في الاستحباب : فهو أن يبتدئ بالنية عند غسل كفيه ويستديمها ذكرا إلى غسل وجهه ، ثم عليه بعد الوجه أن يستديمها حكما وليس عليه أن يستديمها ذكرا ، ومعنى استدامتها ذكرا : أن يكون مستصحبا لذكرها واعتقادها ، فإن أخل بها ناسيا أو عامدا لم يجزه ، وهذا لازم له في الوضوء إلى غسل الوجه ، واستدامتها حكما أن يكون مستصحبا [ ص: 93 ] لحكم نيته ، فلا يحدث نية تخالف ما تقدم من نيته ، وإن أخل بذكره عامدا أو ناسيا أجزأه ، وهذا لازم له بعد الوجه إلى فراغه من طهارته ، فإن استدامها ذكرا كان أكمل .

وأما الحال الثانية في الجواز : فهو أن يبتدئ بالنية عند غسل الوجه فيجزئه وإن أخل بالنية فيما قبل ، لأن ما تقدم الوجه في الوضوء من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق مسنون وليس بواجب ، وتركه لا يقدح في وضوئه ، فكذلك ترك النية عنده .

لكن اختلف أصحابنا فيما فعله ثم أحدث النية بعده . هل يكون فاعلا للمسنون منه ، معتدا به من وضوئه أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يكون فاعلا لمسنونه ولا معتدا به من وضوئه لخلوه عن نية قارنته أو تقدمته .

والوجه الثاني : أن يكون فاعلا للسنة معتدا به من الوضوء ، لأنه من جملة طهارة قد أتى بالنية لها في محلها ، فلو نوى بعد أن غسل بعض وجهه انعقدت نيته ولزمه إعادة غسل ما كان غسله كالجنب إذا نوى عند غسل بعض جسده .

وأما الحال الثالثة في الفساد : فهو أن ينوي بعد غسل الوجه فلا يجزئه لفساد نيته بتأخيرها عن ابتداء وضوئه ، وعليه أن يعيد غسل وجهه مبتدئا بالنية به حتى تكون النية مقارنة لغسل الوجه .

وأما الحال الرابعة في اختلاف النية : فهو أن ينوي قبل غسل وجهه ويحل بالنية عند غسل وجهه ، فإن نوى قبل أخذه في الوضوء في غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق لم يجزه .

وإن نوى عند غسل كفيه أو عند المضمضة والاستنشاق فقد اختلف أصحابنا في جواز ذلك على ثلاثة أوجه :

أحدها : وهو قول أبي حفص بن الوكيل أنه يجزئه لأن غسل الكفين شروع في الوضوء فصارت النية موجودة عند ابتدائه .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يجزئه عند غسل كفيه ، لأنه غسل لا يعتد به ، ويجزئه عند المضمضة والاستنشاق ، لأنهما في الوجه فصارت النية موجودة عند أخذه في تطهير الوجه .

[ ص: 94 ] والوجه الثالث : وهو قول أبي العباس بن سريج أنه لا يجزئه سواء نوى عند غسل كفيه أو عند المضمضة والاستنشاق حتى ينوي عند غسل الوجه ، لأن الوضوء قد يصح بغير مضمضة واستنشاق إلا أن يكون حين تمضمض أو استنشق أصاب الماء شيئا من وجهه فيجزئه لأنه يصير ناويا عند غسل وجهه .

التالي السابق


الخدمات العلمية