الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما طهارتها من حدثها فتحتاج إلى شرطين :

أحدهما : أن يكون عقيب طهارة الفرج وشده من غير تراخ ، ولا بعد ، فإن توضأت بعد تطاول الزمان من غسل الفرج وشداده صارت متطهرة طهارة ضرورة مع كونها حاملة للنجاسة ، فتكون كالعادم للماء إذا تيمم ، وعلى بدنه نجاسة يقدر على غسلها فتكون على ما مضى من الوجهين :

أحدهما : أن وضوءها باطل بكل حال ، وتستأنف غسل الفرج .

والوجه الثاني : أنه جائز ، ويعتبر حال النجاسة ، فإن ظهرت إلى مكان يلزم تطهيره ، وأمكن ذلك من غير حدث فوضوؤها على صحته .

فصل : والشرط الثاني : أن يكون وضوؤها بعد دخول وقت الصلاة التي تريد أن تتوضأ لها فإن توضأت قبل دخول الوقت كان وضوؤها باطلا كالمتيمم قبل الوقت وأجاز أبو حنيفة [ ص: 444 ] وضوءها قبل الوقت ، وقد تقدم الكلام معه فإذا توضأت بعد دخول الوقت فهل يلزمها فعل الصلاة على الفور في الحال أم يجوز التراخي فيها على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي العباس أنه يجوز فعلها على التراخي ما لم يخرج الوقت : لأن أداء الصلاة في آخر الوقت كأدائها في أوله .

والوجه الثاني : أنه يجوز تأخيرها وعليها المبادرة بها على الفور بحسب الإمكان ، وهو الصحيح عندي : لأن وضوء المستحاضة إنما يرفع الحدث المتقدم عليه ، ولا يرفع ما قارنه أو تأخر عنه ، فلم يجز أن تؤخر الصلاة مع حدثها إلا بحسب ضرورتها التي لا يمكن الاحتراز منها ، وفيه وجه ثالث أنه يجوز تأخير الصلاة انتظارا لأسباب كمالها كالجماعة ، وقصد البقاع الشريفة ، وارتياد سرة تستقبلها وما جرى هذا المجرى : لأن تأخير الصلاة لهذه الأسباب مندوب إليه ، ولا يجوز تأخيرها لغير هذه الأسباب : لأنه ليس بمندوب إليه .

فصل : فإذا فعلت ما وصفنا من الطهارتين فجرى دمها من الشداد وظهر فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يجري لضعف الشداد وتقصيرها فيه فقد بطلت طهارتها وصلاتها إن كانت في الصلاة .

والضرب الثاني : أن يجري دمها لغلبته وكثرته مع كون الشداد محكما ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون جريان الدم وسيلانه في الصلاة فصلاتها صحيحة وتيممها لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش حيث وصف لها حال الاستحاضة " صلي ولو قطر الدم على الحصير " .

والضرب الثاني : أن يكون جريان دمها في غير الصلاة ففي بطلان طهارتها وجهان :

أحدهما : لا تبطل وهي على حال الصحة وهذا ظاهر قول أبي العباس إذ لم يجعل صلاة الاستحاضة على الفور من طهارتها .

والوجه الثاني : أن طهارتها قد بطلت كما يبطل التيمم ، برؤية الماء قبل الصلاة ، ولا يبطل برؤيته في الصلاة ، وهذا قول من جعل صلاة المستحاضة على الفور من طهارتها ، وعلى هذين الوجهين يتفرع حكم من جرى دمها في الصلاة فأرادت أن تتنفل بتلك الطهارة بعد فراغها من الصلاة ، فإن قيل : ببطلان طهارتها قبل الصلاة لم يجز أن تتنفل بتلك الطهارة إلا بطهارة مستأنفة ، وإن قيل بصحة طهارتها قبل الصلاة جاز أن تتنفل بعد تلك الصلاة فيما شاءت من صلاة وطواف .

التالي السابق


الخدمات العلمية