الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا دفع رب المال ألف درهم قراضا ، ثم دفع بعدها ألف درهم أخرى قراضا فهذا على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن ينهاه عن خلط الألف الثانية بالألف الأولى فهذا جائز ، ويكون كل ألف منهما قراضا مفردا - سواء كان ما شرطاه من ربحيهما واحدا أو مختلفا - ويمنع من خلطهما للشرط ولاختلافهما في العقد .

والقسم الثاني : أن يأمره بخلط الألف الثانية بالألف الأولى فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون شرط الربح منهما مختلفا فلا يجوز ؛ لأن اختلاطهما يمنع من تميز ربحهما ، ويكون القراض في الألف الثانية باطلا .

فأما الألف الأولى فإن كان قد اشترى بها عرضا لم يبطل القراض فيها ؛ لأن العقد بعد الشراء مستمر ، وإن كانت بحالها لم يشتريها عرضا بطل القراض فيها ؛ لأن العقد قبل الشراء بها غير مستقر .

والضرب الثاني : أن يكون شرط الربح منهما متفقا . قال الشافعي : رضي الله عنه فيما نقله البويطي : إن كان ذلك قبل الشراء بالألف الأولى صح القراض فيها ، وإن كان بعد الشراء صح في الأولى وبطل في الثانية . وهذا صحيح على ما ذكرناه من التعليل ؛ لأنه لما لم يشتر بالأولى عرضا فالقراض فيها غير مستقر ، فصارت الألفان قراضا واحدا ، وإذا اشترى بها [ ص: 335 ] عرضا فقد استقر القراض فيها وصارت الألف الثانية قراضا ثانيا ، وخلط أحد القراضين بالآخر غير جائز ؛ لأنه لا يجوز أن يجبر أحد المالين بالآخر وهو باختلاطه غير متميز .

والقسم الثالث : أن لا يأمره بخلطهما ، ولا ينهاه فينظر :

فإن كان شرط الربح مختلفا فهما قراضان لا يجوز خلط أحدهما بالآخر ، ولا يلزمه أن يجبر خسران أحدهما بربح الآخر .

وإن كان شرط ربحهما متفقا نظر :

فإن كان دفع الألف الثانية بعد الشراء بالألف الأولى كانا قراضين لا يجوز له خلط أحدهما بالآخر ، ولا يلزمه أن يجبر خسران أحدهما بربح الآخر .

وإن كان دفع الألف الثانية قبل الشراء بالألف الأولى فهما قراض واحد ، ويجوز خلط إحدى الألفين بالأخرى ويلزمه أن يجبر خسران أحدهما بربح الآخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية