الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثاني وهو أن يأذن له في مقارضة غيره ، ولا يأذن له في العمل بنفسه ، فهذا وكيل في عقد القراض مع غيره ، فلم يجز أن يقارض نفسه ، كالوكيل في البيع لا يجوز له أن يبايع نفسه ، ثم ينظر :

فإن كان رب المال قد عين له من يقارضه لم يجز أن يعدل عنه إلى غيره ، وإن لم يعينه اجتهد برأيه فيمن يراه أهلا لقراضه من ذوي الأمانة والخبرة .

فإن قارض أمينا غير خبير بالتجارة لم يجز ، وإن قارض خبيرا بالتجارة غير أمين لم يجز حتى يجتمع الشرطان فيه : الخبرة ، والأمانة .

فإن عدل عما وصفنا فذلك ضربان :

أحدهما : أن يعدل إلى مقارضة نفسه .

[ ص: 340 ] والثاني : أن يعدل إلى مقارضة غير من عينه رب المال .

فإن عدل إلى مقارضة نفسه فعليه ضمان المال ؛ لأن ائتمانه على المال إنما كان على مقارضته على غيره لا على التجارة به ، فصار لأجل ذلك متعديا ضامنا ، ولا حق له في ربح المال ، ويكون جميع الربح لرب المال سواء قيل إن ربح المغصوب يكون لرب المال ، أو للغاصب ؛ لأنه إن قلنا إنه للمغصوب منه فلا حق له فيه ، وإن قلنا إنه للغاصب فقد صار بمقارضته نفسه مشتريا لرب المال ، فلم يكن له مع القولين معا حق في الربح ، ولا أجرة له على رب المال ؛ لأنه صار متطوعا بعمل لم يؤمر به .

وإن عدل إلى مقارضة غير من عينه رب المال كان ضامنا للمال بعدوانه ، وكان العامل فيه ضامنا له بيده ؛ لأن من أقر يده على مال مضمون ضمنه ، كمن استودع مالا مغصوبا ، ويكون جميع ربحه لرب المال قولا واحدا ؛ لأن العامل ما اشترى لنفسه ، ولا رجوع للعامل على رب المال بأجرة عمله ، وهل يرجع بها على الوكيل الغار له أم لا ؟ على وجهين مخرجين من اختلاف قولين في الزوج المغرور هل يرجع من غره بالذي غرمه ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية