الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وإن حال على سلعة في القراض حول وفيها ربح ففيها قولان : أحدهما : أن الزكاة على رأس المال ، والربح وحصة ربح صاحبه ، ولا زكاة على العامل ؛ لأن ربحه فائدة فإن حال الحول منذ قوم صار للمقارض ربح زكاه مع المال ؛ لأنه خليط بربحه وإن رجعت السلعة إلى رأس المال كان لرب المال . والقول الثاني أنها تزكى بربحها لحولها ؛ لأنها لرب المال ، ولا شيء للعامل في الربح إلا بعد أن يسلم إلى رب المال ماله ( قال المزني ) هذا أشبه بقوله ؛ لأنه قال لو اشترى العامل أباه وفي المال ربح كان له بيعه فلو ملك من أبيه شيئا لعتق عليه وهذا دليل من قوله على أحد قوليه ، وقد قال الشافعي رحمه الله : لو كان له ربح قبل دفع المال إلى ربه كان به شريكا ولو خسر حتى لا يبقى إلا قدر رأس المال كان فيما بقي شريكا ؛ لأن من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا .

قال الماوردي : قد مضت هذه المسألة في كتاب الزكاة وصورتها أن يكون مال القراض ألف درهم ، فيحول الحول عليها ، وقد صارت بربح التجارة ألفي درهم ، ففي زكاتها قولان من اختلاف قولين في العامل ، هل هو شريك في الربح ، أو وكيل مستأجر بحصة من الربح . فأحد القولين أنه وكيل مستأجر ، وحصته من الربح أجرة يملكها بالقبض ، فعلى هذا تكون زكاة الألفين كلها على رب المال لكونه مالكا لجميعها .

ويزكى الربح بحول الأصل ؛ لأنه نماء يتبع أصله في الحول ولرب المال أن يخرج الزكاة من المال إن شاء .

ومن أين يخرجها ؟ على ثلاثة أوجه :

أحدها : يخرجها من رأس المال ، وأصله أنها وجبت في أصل المال ، والربح تبع ، فعلى هذا قد بطل من القراض بقدر ما أخرجه في الزكاة .

[ ص: 342 ] والوجه الثاني : أنه يخرجها من الربح دون الأصل ؛ لأنها مئونة فأشبهت سائر المؤن ، فعلى هذا لا ينفسخ بإخراجها شيء من القراض لبقاء الأصل .

والوجه الثالث : أنه يخرج من الأصل زكاته ومن الربح زكاته ؛ لأنها وجبت فيهما فلم يختص إخراجها بأحدهما .

فعلى هذا يبطل من القراض بقدر ما أخرج من زكاة الأصل دون الربح .

والقول الثاني : أن العامل شريك يضرب في الربح بسهم الملك .

فعلى هذا يجب على رب المال أن يخرج زكاة الأصل وحصته من الربح وذلك ألف وخمسمائة وفي محل إخراجها الوجوه الثلاثة .

ويجب على العامل أن يخرج زكاة حصته من الربح وذلك خمسمائة . وفي ابتداء حوله وجهان :

أحدهما : من حين ظهور الربح لحدوثه عن ملكهما .

والوجه الثاني : أنه من حين المحاسبة ، والفضل ؛ لأنه من حينئذ يعلم حال الربح .

وهو في الوجهين معا يخالف رب المال الذي يزكي الربح بحول الأصل ؛ لأن اجتماع النماء مع أصله يوجب ضمه إليه في حوله ، وانفراده عنه يوجب إفراده بحوله .

ألا ترى أن السخال إذا كانت مع أمها زكيت بحول أمهاتها ، ولو انفردت زكيت بحولها .

ثم هل يجوز للعامل أن يخرج زكاة حصته من مال القراض أم لا ؟

على وجهين مخرجين من اختلاف قولين في الزكاة هل وجبت في الذمة ، أو في العين ؟ أحدهما : يجوز كما يجوز لرب المال إخراجها من المال .

والثاني : لا يجوز ، وإن جاز ذلك لرب المال .

والفرق بينهما : أن إخراج رب المال لها من المال يكون من أصل فجاز ، وإخراج العامل لها من المال يكون من ربح فلم يجز ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية