الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر أن ليس للعامل زرعه بغير إذن ربه فزرعه فهو كمن زرع أرض غيره غصبا فيكون لرب الأرض أن يأخذه بقلعه ، ولا يجبر على تركه لقوله - صلى الله عليه وسلم - ليس لعرق ظالم [ ص: 368 ] حق ، وليس له أن يجبر الزارع على أخذ قيمة زرعه ، سواء كان قلع الزرع مضرا بأرضه أم لا .

وقال أبو حنيفة : إن كان قلعه مضرا بالأرض أجبر الزارع على أخذ قيمته مقلوعا ، استدلالا برواية عطاء عن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته ، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه .

فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم : فليس له من الزرع شيء فمن وجهين :

أحدهما : أن معناه ليس له منه شيء إذا روضي على أخذ قيمته .

والثاني : أنه ليس له حق في استيفائه ، وقوله : وله نفقته أي : زرعه ، ويحتمل أن يكون معناه أن نفقته هي من ماله لا يرجع بها على غيره .

فإن قيل : إذا جعلتم ولد الأمة من زنا لسيدها دون الزاني بها لعدوانه لزمكم أن تجعلوا زرع الغاصب لرب الأرض دون الغاصب لعدوانه .

قيل : الفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن زرع الغاصب من بذره يقينا فجعل له ، وولد الزاني من مائه ظنا لا يقينا فلم يجعله له .

والثاني : أن بذر الزارع مال مملوك تجوز المعاوضة عليه ، فصار ما حدث عنه ملكا للغاصب ، وليس ماء الزاني موصوفا بالملك ، ولا تجوز عليه المعاوضة فلم يصر ما حدث عنه ملكا للزاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية