الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الرابع فيمن تصح منه النية :

فتصح في أكمل أحوالها ممن قد جمع ثلاثة شروط : البلوغ والعقل والإسلام ، فإذا كان في حال نيته لوضوئه أو غسله أو تيممه عاقلا بالغا مسلما انعقدت نيته وصحت طهارته .

فأما الصبي غير البالغ إذا توضأ فإن كان طفلا لا يميز فوضوؤه باطل وطهارته عبث ؛ لأن النية من مثله لا تصح ، وإن كان مراهقا مميزا صح وضوءه إذا نوى وارتفع حدثه حتى لو بلغ بعد وضوئه أجزأه ذلك الوضوء لا يختلف مذهب الشافعي فيه لصحة قصده . ألا تراه يقول : " لو أحرم صبي بصلاة ثم بلغ في تضاعيفها وأتمها أجزأه " فلولا صحة نيته في طهارته وصلاته وانعقادها بقصده لم تجزه .

وهكذا لو فعل صبي ما يوجب الغسل من التقاء الختانين واغتسل ناويا ثم بلغ صح غسله وارتفعت جنابته .

ولكن لو تيمم قبل بلوغه لنفل أو لفرض ثم بلغ لم يجزه أن يصلي بذلك التيمم فرضا بحال ؛ لأنه قبل بلوغه غير ملتزم لفرض فصار حين تيمم غير محتاج إلى التيمم فلم يجز أن يؤدي به الفرض كمن تيمم قبل دخول الوقت ولكن يجوز أن يصلي به النفل ، وأما المجنون إذا توضأ في حال جنونه عن حدث أو اغتسل من جنابة لم يجزه وضوؤه ولا غسله ولزمه إعادة [ ص: 98 ] ذلك بعد إفاقته بخلاف الصبي ؛ لأن للصبي تمييزا وقصدا وليس للمجنون قصد ولا تمييز ، وأما الكافر فيلزمه بعد إسلامه أن يتوضأ عن حدثه في كفره ، فلو كان قد توضأ من الحدث قبل إسلامه ناويا ففي إجزائه وجهان :

أحدهما : يجزيه ؛ لأنه أصح قصدا من الصبي وهذا قول أبي حنيفة .

والوجه الثاني : وهو الصحيح من المذهب أنه لا يجزئه ؛ لأنه لا تصح منه مع الكفر انعقاد عبادة ، كما لا تصح منه انعقاد الصلاة ، وخالف الصبي الذي تصح منه انعقاد الصلاة ، وأما إذا أجنب الكافر قبل إسلامه فقد قال أبو سعيد الإصطخري : إن حكم جنابته ساقط بإسلامه ، فإن اغتساله منها غير واجب لقوله صلى الله عليه وسلم : الإسلام يجب ما قبله ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر جميع من أسلم من الكفار بالغسل مع كونهم غالبا على جنابة ، وقال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق وسائر أصحابنا : إن حكم جنابته باق ، وإن الغسل عليه بعد إسلامه واجب لأمرين :

أحدهما : أنه لما لم يسقط بالإسلام حكم حدثه في حال الكفر ولزمه الوضوء لم يسقط حكم جنابته ولزمه الغسل .

والثاني : أنه لما لزم الصبي والمجنون غسل الجنابة بعد الإفاقة والبلوغ وهما في حال الحداثة من غير أهل التكليف ، فالكافر إذا أسلم أولى أن يلزمه غسل الجنابة ؛ لأنه من أهل التكليف ، فأما المرتد إذا أسلم جنبا فمأخوذ بجنابته ، والغسل منها واجب عليه بوفاق أبي سعيد ، فلو كان قد اغتسل في حال ردته كان على وجهين كالكافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية