الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو أكرى حمل مكيلة وما زاد فبحسابه فهو المكيلة جائز وفي الزائد فاسد وله أجرة مثله " .

قال الماوردي : إن لتصوير هذه المسألة وحمل الجواب عليها مقدمة ، وهي في البيع والإجارة سواء .

فإذا استأجر لحمل صبرة إلى بلد مسمى بمائة درهم ، والصبرة مشاهدة وهما لا يعلمان مبلغ كيلها جاز كما لو قال بعتكها بمائة ، ولا يضر الجهل بتقسيط الأجرة على أجزاء الصبرة كما لا يؤثر في البيع : لأن جملة الأجرة معلومة ولو قال : قد استأجرتك لحملها كل قفيز بدرهم جاز وإن جهلا في الحال مبلغ جميع الأجرة : لأن أجرة الأجزاء معلومة تفضي إلى العلم بجميع الأجرة كما لو قال : بعتكها كل قفيز بدرهم ، ولو قال : استأجرتك لحمل هذه الصبرة قفيزا منها بدرهم ، وما زاد فبحسابه جاز أيضا ( لأنه قد عقد على الجملة ) وذكر أجرة قفيز منها تسعير لجميعها وتكون في حكم المسألة الثانية وإن اختلف اللفظ فيهما ، وهكذا لو قال مثل ذلك في البيع صح ، وسواء أخرج الزيادة مخرج الشرط فقال على أن ما زاد فبحسابه أو لم يقل . فهذه ثلاث مسائل لا يختلف الجواب فيها .

فأما مسألة الكتاب فقد قال الشافعي : ولو اكترى حمل مكيلة وما زاد فبحسابه به ، فهو في المكيلة جائز ، وفي الزيادة فاسد ، فاختلف أصحابنا في صورتها . فقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة : صورتها أن يستأجره لحمل عشرة أقفزة حاضرة بعشرة دراهم ، وبحمل ما حضر بعد ذلك من طعام له غائب بحساب ذلك ، فتصح الإجارة في العشرة الأقفزة الحاضرة وتبطل في الزيادة الغائبة : لأنها قد تحضر أو لا تحضر ، وقد تقل وتكثر ، وهكذا في البيع أيضا ولو أخرج ذلك مخرج الشرط فقال على أن تحمل ما زاد بحسابه بطلت الإجارة في الحاضر والغائب .

وقال آخرون من أصحابنا : بل صورتها في صبرة حاضرة يعلم أن فيها عشرة أقفزة ويشك في الزيادة عليها ، فيستأجره لحمل العشرة الأقفزة المعلومة بعشرة دراهم ، والزيادة المشكوك فيها بحساب ذلك فتصح الإجارة في العشر للعلم بها وتبطل في الزيادة للشك فيها : لأن المعقود عليه شيء وقع الشك في وجوده ، فبطل العقد فيه كما لو كان له في منزله طعام يشك في بقائه أو أكل عياله له فاستأجر لحمله كان فاسدا ، فعلى هذا لو جعل الإجارة في الزيادة المشكوك فيها شرطا في العشرة المعلومة ، فقال على أن ما زاد فبحسابه بطلت الإجارة في الجميع ، وقال آخرون من أصحابنا : بل صورتها في صبرة [ ص: 431 ]

حاضرة يعلم أنها تزيد على عشرة أقفزة . فيستأجر لعشرة أقفزة منها بعشرة دراهم ، وما زاد فبحسابه ، فتبطل الإجارة في الزيادة وإن صحت في العشر : لأنها لم تدخل في العقد : لأن الإجارة لم تعقد على جميع الصبرة ، وإنما عقدت على عشرة أقفزة منها وأضيف إلى العقد زيادة لم تدخل فيه ؛ فلذلك لم يصح العقد فيها .

ولو جعل الزيادة شرطا في العقد ، فقال : على أن ما زاد فبحسابه بطلت الإجارة في الجميع ، وله إن حمل شيئا أجرة مثله ، وهذه الطريقة في تصوير المسألة أشبه الطرق بلفظ الشافعي ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية