الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الموات فضربان :

أحدهما : ما لم يزل على قديم الدهر مواتا لم يعمر قط ، فهذا هو الموات الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له فمن أحياه من المسلمين فقد ملكه وإن أحياه ذمي لم يملكه .

وقال أبو حنيفة : يملكه الذمي بالإحياء كالمسلم استدلالا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له ولأنها أعيان مباحة ، فجاز أن يستوي في تملكها المسلم والذمي كالصيد ، والحطب : ولأن من صح أن يملك بالاصطياد والاحتطاب ، صح أن يملك بالإحياء كالمسلم : ولأنه سبب من أسباب التمليك فوجب أن يستوي فيه المسلم والذمي كالبيع .

ودليلنا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : الأرض لله ورسوله ثم هي لكم فواجه المسلمين بخطابه وأضاف ملك الموات إليهم ، فدل على اختصاص الحكم بهم .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب إشارة إلى إجلائهم حتى أجلاهم عمر - رضي الله عنه - من الحجاز ، فلما أمر بإزالة أملاكهم الثابتة فأولى أن يمنعوا من أن يستبيحوا أملاكا محدثة : لأن استدامة الملك أقوى من الاستحداث ، فإذا لم يكن لهم الأقوى فالأضعف أولى : ولأن من لم يقر في دار الإسلام إلا بجزية منع من الإحياء كالمعاهد ، ولأن كل ما لم يملكه الكافر قبل عقد الجزية لم يملكه بعد عقد الجزية .

أصله : نكاح المسلمة : ولأنه نوع تمليك ينافيه كفر الحربي فوجب أن ينافيه كفر الذمي كالإرث من مسلم .

فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له فهو أن هذا الخبر وارد في بيان ما يقع به الملك .

وقوله : ثم هي لكم مني وارد في بيان من يقع له الملك فصار المعنى في كل واحد [ ص: 477 ] منهما فيما قصد له قاضيا على صاحبه ، فصار الخبران في التقدير كقوله : من أحيا أرضا مواتا من المسلمين فهي له .

وأما الجواب عن قياسهم على الصيد والحطب ، فهو أنه منتقض بالغنيمة حيث لم يستو المسلم ، والذمي فيها مع كونها أعيانا مباحة ، ثم لو سلم من النقص لكان المعنى في الصيد والحطب أن لا ضرر على المسلم فيه إذا أخذه الكافر وليس كذلك الإحياء . ولذلك لم يمنع المعاهد من الاصطياد والاحتطاب ، وإن منع من الإحياء فكان المعنى الذي فرقوا به في المعاهد بين إحيائه واصطياده هو فرقنا في الذمي بين إحيائه واصطياده وهو الجواب عن قياسهم الثاني ، ويكون المعنى في المسلم فضيلته بدينه واستقراره في دار الإسلام بغير جزية مباينة لصغار الذمة فاستعلى على من خالف الملة .

وأما الجواب عن قياسهم على البيع فهو أنه منتقض بالزكاة : لأنها سبب من أسباب التمليك الذي يختص بها المسلم دون الذمي ، ثم المعنى في البيع أنه لما جاز أن يملك به المعاهد جاز أن يملك به الذمي ، ولما لم يجز في الإحياء أن يملك به المعاهد لم يملك به الذمي .

التالي السابق


الخدمات العلمية