الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والضرب الثاني : في الأصل ما كان عامرا من بلاد الإسلام ثم خرب حتى ذهبت عمارته ، واندرست آثاره فصار مواتا ، فقد اختلف الفقهاء في جواز تملكه بالإحياء على ثلاثة مذاهب : فمذهب الشافعي منها : أنه لا يجوز أن يملك بالإحياء ، سواء عرف أربابه ، أو لم يعرفوا .

[ ص: 478 ] وقال مالك : يصير كالموات الجاهلي يملكه من أحياه سواء عرف أربابه ، أو لم يعرفوا .

وقال أبو حنيفة : إن عرف أربابه فهو على ملكهم لا يملك بالإحياء ، وإن لم يعرفوا ملك بالإحياء : استدلالا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له وحقيقة الموات : ما صار بعد الإحياء مواتا ، وما لم يزل مواتا فإنما يسمى مجازا ، قالوا : ولأن ما صار مواتا من العامر زال عن حكم العامر كالجاهلي ، ولأنه موات فجاز إحياؤه كسائر الموات : ودليلنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه وهذا مال مسلم .

وروى عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد فهو أحق بها فجعل زوال الملك عن الموات شرطا في جواز ملكه بالإحياء ، فدل على أن ما جرى عليه ملك لم يجز أن يملك بالإحياء ، وروى أسمر بن مضرس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له مال ، قال : فخرج الناس تبعا يتخاطون ، وهذا نص ، ولأنها أرض استقر عليها ملك مسلم ، فلم يجز أن تملك بالإحياء كالذي بقيت آثارها مع مالك ، وكالذي تعين أربابها مع أبي حنيفة ، ولأن ما صار مواتا من عامر المسلمين لم يجز أن يملك بالإحياء كالأوقاف والمساجد .

وأما استدلالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له فهو دليل عليهم : لأن الأول قد أحياها فوجب أن يكون أحق بها من الناس لأمرين :

أحدهما : أنه أسبق .

والثاني : أن ملكه قد ثبت باتفاق .

وأما الجواب عن قياسهم على الجاهلي وعلى الذي لم يزل مواتا ، فالمعنى فيهما أنهما لم يجر عليهما ملك مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية