الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وعطيته - صلى الله عليه وسلم - عامة لمن أحيا الموات أثبت من عطية من بعده من سلطان وغيره " .

قال الماوردي : وهذا كما قال .

الموات يملك بإحيائه من غير إذن الإمام وإقطاعه ، وبه قال أبو يوسف ومحمد .

[ ص: 479 ] وقال أبو حنيفة : من أحيا مواتا بغير إذن الإمام لم يملكه وانتزعه من يده .

وقال مالك : إن كان للأرض ثمن ويشاع الناس عليها ويتنافسون فيها لم يجز إحياؤها إلا بإذن الإمام ، وإن كانت مهملة جاز إحياؤها بغير إذنه ، واستدل من منع من إحيائها بغير إذنه ، واستدل من منع من إحيائها بغير إذن الإمام بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه ، ولأن ما ثبت أصوله من المباحات لم يملك بغير إذن الإمام كالمعادن ، ولأن وجوه المصالح إذا كان اجتهاد للإمام فيها يقطع الاختلاف والتنازع فيها كان إذن الإمام شرطا في ثبوت ملكها قياسا على بيت المال ، ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له ، فكان على عمومه فيما كان بإذن الإمام وبغير إذنه ، ولأن ما يبتدئ المسلم بملكه لا يفتقر إلى إذن الإمام كالصيد ، ولأن كل ما لا يفتقر بملك الصيد إليه لم يفتقر إلى إذن الإمام كالصيد ، ولأن كل ما لا يفتقر بملك الصيد إليه لم يفتقر الإحياء له كإذن غير الإمام ، ولأن كل ما لا ينحصر على الإمام الإذن فيه لم يفتقر الإحياء له كإذن غير الإمام ، ولأن كل ما لا ينحصر على الإمام الإذن فيه لم يفتقر تملكه إلى إذنه كالماء ، والحطب ، ولأن كل مال لم يملكه مسلم لم يفتقر المسلم في تملكه إلى إذن الإمام كالغنائم ، ولأنه نوع تمليك فلم يفتقر إلى إذن الإمام كالبيع والهبة ، ولأن الإذن في التمليك إنما يستفاد به رفع الحجر عن المتملك ، والموات مرفوع الحجر عنه فلم يفده الإذن صحة التمليك ، فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه فمن وجهين :

أحدهما : ما أجاب به الشافعي من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو إمامنا وإمام الأئمة قد طابت نفسه لنا بذلك ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : موتان الأرض لله ورسوله ثم هي لكم مني .

والثاني : أنه عام في أموال الفيء وأنواع الغنائم وسائر المصالح فخص الموات منه ، بقوله - صلى الله عليه وسلم - : من أحيا أرضا مواتا فهي له ، وأما الجواب عن قياسه على المعادن فهو أن المعادن أموال في الحال يتوصل إلى أخذها بالعمل ، فصارت كأموال بيت المال وليس كذلك الموات : لأنه ليس بماله ولو جاز أن يستويا في كونهما مالا : لأن الموات قد يصير مالا لكان المعنى في أموال بيت المال أن إذن الإمام فيها محصور ، وفي الموات غير محصور ، فإذا ثبت أن الموات يجوز بإذن الإمام وبغير إذنه ، فكل مسلم أحياه من رجل ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مجنون فقد ملكه وملك حريمه الذي لا يستغني عنه ، فإن خرب بعد إحيائه حتى صار مواتا لم يزل عنه ملك مالكه .

وقال مالك : قد زال ملكه بزوال العمارة ، فإن أحياها غيره كان أحق بها ، وقد مضى الكلام معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية