الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا تقرر أن وقف الإنسان على نفسه لا يجوز فلا يخلو حال الواقف على نفسه من أحد أمرين : إما أن يكون عاما أو خاصا ، وإن كان خاصا ، فعلى قسمين :

أحدهما : أن يقول : وقفته على نفسي ثم على الفقراء والمساكين ، ولا يجوز أن يكون وقفا لنفسه ، وهل يبطل أن يكون وقفا للفقراء والمساكين ، فعلى قولين :

أحدهما : أنه باطل ؛ لأنه فرع لأصل باطل .

والقول الثاني : جائز : لأنهم صاروا فيه أصلا عند بطلان الأصل ، فعلى هذا هل يستحقونه قبل موته أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : أنهم لا يستحقون إلا بعد موته اعتبارا بظاهر شرطه ويكون أحق بغلته منهم .

والوجه الثاني : أنهم يستحقون الوقف في الحال ، وإلا صار وقفا بعد مدة : ولأنه لو صارت الغلة إليه قبل موته لصار وقفا على نفسه ومعمولا فيه على شرطه .

وإن كان الوقف عاما ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن تكون منافعه مباحة كمرافق المسجد وماء البئر ، فهل يكون فيه كغيره من المسلمين سواء شرط ذلك لنفسه أو لم يشترط استدلالا بوقف عثمان - رضي الله عنه - ولقوله عليه الصلاة والسلام : المسلمون شركاء ثلاث .

والضرب الثاني : أن تكون منافعه ليست على أصل الإباحة كثمار النخل والشجر ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يطلقه ولا يشترط لنفسه شيئا منه ؛ كرجل وقف نخلا على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وصار من جملتهم ، دخل فيه وجاز أن يأكل منها كأحدهم : لأنه من جملتهم بوصفه لا بعينه ، فلم يكن ذلك وقفا عليه : لأنه على موصوفين لا على معنيين فيساوي من شاركه في حقه .

[ ص: 527 ] والضرب الثاني : أن يشترط لنفسه أن يأكل منها غنيا أو فقيرا كان فيه وجهان :

أحدهما : وهو قول ابن سريج ، والزبيري ، أنه يجوز : لأنه قد أخرجه عاما ، فجاز أن يدخل في العموم بعينه كما يدخل فيه بوصفه .

والوجه الثاني : وهو مذهب الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز أن يدخل فيه بعينه كما لم يجز أن يدخل في الخاص بعينه ، فإذا قلنا : يجوز دخوله فيه على الوجه الأول ففيه وجهان :

أحدهما : أنه حق قائم على التأبيد يخلفه فيه ورثته وورثة ورثته ما بقوا ، فإذا انقرضوا عاد حينئذ على جماعة الفقراء والمساكين .

والوجه الثاني : أنه مقدر بمدة حياته ، فإذا مات عاد إلى الفقراء دون ورثته إلا أن يكونوا من جملة الفقراء ، وإذا قيل : إنه يجوز دخوله فيهم بعينه فهل يكون ما جعله من ذلك لنفسه باقيا على ملكه أم داخلا في عموم وقفه ؟ على وجهين :

أحدهما : أنه باق على ملكه : لأن الوقف بطل فيه وصح فيما سواه .

والثاني : أنه دخل في عموم وقفه : لأن الوقف بقي في الجميع ، وإنما بطل الاستثناء في الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية