الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن كانت اللقطة بمكة فمذهب الشافعي - رحمه الله - أنه ليس لواجدها أن يتملكها ، وعليه إن أخذها أن يقيم بتعريفها أبدا ، بخلاف سائر البلاد .

[ ص: 5 ] وقال بعض أصحابنا : مكة وغيرها سواء في اللقطة : استدلالا بعموم الخبر ، وهذا خطأ : لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن إبراهيم حرم مكة ، فلا يختلى خلاؤها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، وفي المنشد تأويلان : أحدهما وهو قول أبي عبيد : أنه صاحبها الطالب ، والناشد هو المعرف الواجد لها ، قال الشاعر :


يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة الناشد للمنشد



فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يحل لأحد أن يتملكها إلا صاحبها التي هي له دون الواجد ، والتأويل الثاني وهو قول الشافعي : أن المنشد الواجد المعرف ، والناشد هو المالك الطالب . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال : أيها الناشد غيرك الواجد ، معناه لا وجدت ، كأنه دعا عليه ، فعلى هذا التأويل معنى قوله : لا تحل لقطتها إلا لمنشد ، أي : لمعرف يقيم على تعريفها ولا يتملكها . فكان في كلا التأويلين دليل على تحريم تملكها ، ولأن مكة لما باينت غيرها في تحريم صيدها وشجرها تغليظا لحرمتها ، باينت غيرها في ملك اللقطة ، ولأن مكة لا يعود الخارج منها غالبا إلا بعد حول إن عاد ، فلم ينتشر إنشادها في البلاد كلها ، فلذلك وجب عليه إدامة تعريفها ، ولا فرق بين مكة وبين سائر الحرم : لاستواء جميع ذلك في الحرمة .

فأما عرفة ومصلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ففيه وجهان : أحدهما أنه حل تحل لقطته قياسا على جميع الحل ، والوجه الثاني أنه كالحرم لا تحل لقطته إلا لمنشد : لأن ذلك مجمع الحاج وينصرف النفار منه في سائر البلاد كالحرم ، ثم اختلفوا في جواز إنشادها في المسجد الحرام مع اتفاقهم على تحريم إنشادها في غيره من المساجد على وجهين ، أصحهما جوازه اعتبارا بالعرف وأنه مجمع الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية