الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والحالة الرابعة أن يريد بيعها ، فلا يخلو ذلك من أحد أمرين : إما أن يبيعها بعد أن يتملكها ، فذلك له كما لو أكلها ، ويكون ضامنا لقيمتها دون ثمنها : لأنه باعها في حق نفسه ، فلو جاء صاحبها بعد البيع لم يكن له في رقبتها حق لنفوذ البيع ورجع بالقيمة على الواجد ، فلو كان خيار المجلس أو خيار الشرط في البيع باقيا فأراد المالك أن يفسخ وأراد البائع الإمضاء ، ففيه وجهان حكاهما أبو القاسم بن كج .

أحدهما : أن القول قول المالك في الفسخ لاستحقاقه الرجوع بعين ماله مع بقائه .

والوجه الثاني : أن القول قول البائع في الإمضاء : لأن خيار العقد يستحقه العاقد دون غيره ، فإذا أمضى غرم القيمة دون الثمن ، وإن أراد بيعها لمالكها جاز إن كان البيع أحظ من الاستبقاء لما يلزم من الإنفاق عليها ، وجاز أن يكون الواجد هو المتولي لبيعها من غير استئذان حاكم ، بخلاف من أراد بيع مال غريم جاحد فيستوفي منه قدر دينه في أحد الوجهين : لأن صاحب الدين يبيعه في حق نفسه ، فمنع من تفرده به في أحد الوجهين ، وهذا يبيعه في حق المالك فجاز كالوكيل ، فإن أراد المالك الفسخ في خيار العقد استحقه وجها واحدا لبيعها في حقه ، فلو أراد بعد بيعها لمالكها أن يتملك ثمنها لم يكن له ذلك وجها واحدا ، بخلاف ما لو أراد أن يتملكها بعينها بعد إمساكها أمانة في أحد الوجهين : لأن الثمن قد خرج عن حكم الضوال ولم تخرج هي مع بقائها عن أن تكون ضالة .

فلو كانت الضالة عبدا ، فإن كان كبيرا فكالبعير لا يتعرض لأخذه ، وإن كان صغيرا كالشاة يأخذه ويملكه إن شاء ، ولو كانت أمة صغيرة ففي جواز تملكه لها وجهان : أحدهما يجوز كالعبد الصغير ، والثاني لا يجوز كما لا يجوز قرض الإماء وإن جاز قرض العبد : لأنها ذات فرج فكان حكمها أغلظ ، فعلى هذا تباع على مالكها إن كان البيع أحظ ، ثم هل يجوز للواجد أن يتملك ثمنها أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يجوز كالأصل ، والثاني : يجوز لأن معنى الأصل مفقود في الثمن ، فلو كان عبدا فباعه الواجد له ، ثم حضر المالك فذكر أنه كان قد أعتقه قبل البيع ، قال الشافعي : القول قوله وعليه اليمين إن طلبها المشتري : لأنه مقر في ملك لم يزل . قال الربيع : وفيه قول آخر : إن قوله غير مقبول : لأن بيع الواجد كبيعه في اللزوم ، فعلى ما نص عليه الشافعي من قبول قوله يكون البيع باطلا ، ويصير العبد حرا ويلزم بائعه الواجد أن يرد ثمنه على المشتري ، سواء باعه في حق المالك أو في حق نفسه ، ولو كان الواجد قد باعه في حق المالك وضاع الثمن من يده بغير تفريط رجع المشتري به على الواجد القابض له ، فلم يكن للواجد أن يرجع على المالك بثمن ما قد حكم بنفوذ عتقه ، فأما على القول الذي خرجه الربيع أن قول المالك فيه غير مقبول ، [ ص: 9 ] فيكون البيع نافذا إن حلف المشتري عليه والعبد على رقه للمشتري ، ثم ينظر ، فإن كان الواجد قد باعه في حق نفسه فله أن يتملك الثمن ما لم يصدق المالك ، ولا يلزمه غرم القيمة : لادعاء المالك حريته التي يسقط معها استحقاق قيمته .

وإن كان الواجد قد باعه في حق المالك كان الثمن موقوفا في يديه بين المشتري والمالك ، فإن عاد المشتري فأكذب نفسه وأقر بالعتق ، فله استرجاع الثمن ويحكم بحرية العبد ، وإن عاد المالك فأكذب نفسه وأقر ببقاء الرق ، ففي قبول قوله في تملك الثمن وجهان : أحدهما لا يقبل قوله في ملك الثمن كما لا يقبل قوله في استرقاق ما أقر بحريته .

والوجه الثاني : أن يقبل قوله في تملك الثمن ، وإن لم يقبل قوله في استرقاق ما أقر بحريته : لبقاء الملك على الثمن وزواله عن الحر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية