الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فعرفها سنة على أبواب المساجد والأسواق ومواضع العامة ، ويكون أكثر تعريفه في الجمعة التي أصابها فيها ، فيعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتبها ويشهد عليها " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : واجد اللقطة وإن كان مخيرا في أخذها ، فعليه بعد الأخذ القيام بها والتزام الشروط في حفظها على مالكها ، والشروط التي يؤمر بها أخذ اللقطة سبعة أشياء جاء النص ببعضها والتنبيه على باقيها :

أحدها : معرفة عفاصها ، وهو ظرفها الذي هي فيه عند التقاطها .

والشرط التالي : معرفة وكائها ، وهو الخيط المشدودة به ، وبهذين الشرطين جاء النص ، ولأنها تتميز بمعرفة هذين عن جميع أمواله فيأمن اختلاطها بها .

والشرط الثالث : معرفة عددها تنبيها بالنص : لأن معرفة عددها أحوط من تميزها عن الظرف : لأن الظرف قد يشتبه .

[ ص: 12 ] والشرط الرابع : معرفة وزنها ، ليصير به معلوما يمكن الحكم به أنه وجب غرمها .

والشرط الخامس : أن يكتب بما وصفناه من أوصافها كتابا ، وأنه التقطها من موضع كذا في وقت كذا : لأنه ربما كان ذكر المكان والزمان مما يذكره الطالب من أوصافها .

والشرط السادس : أن يشهد على نفسه بها شاهدين ، أو شاهدا وامرأتين ، ليكون وثيقة عليه خوفا من حدوث طمعه فيها ، ولأنه ربما مات ولم يعلم وارثه بها أو غرماؤه ، ولئلا يحدث من الورثة طمع ، وقد روي في بعض الأخبار أنه قال لواجد اللقطة : وأشهد ذوي عدل .

والشرط السابع : أن يعرفها ، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به لواجدها ، ولأنه لا طريق إلى علم مالكها إلا بالتعريف لها ، فإذا أكمل حال هذه الشروط السبعة على ما سنذكره من صفة التعريف ، فقد أقام بحقوقها . وربما استغنى عن بعض هذه الشروط في بعض اللقطة : لأنه ربما وجد دينارا أو درهما ، فلا يكون له عفاص ولا وكاء ، فلا يحتاج إلى معرفتها ، والواجب من ذلك كله شرطان متفق عليهما وثالث مختلف فيه .

أحد الشرطين المتفق عليهما تمييزها عن أمواله كلها بأي وجه تميزت به ، سواء احتاج معه إلى معرفة عفاص ووكاء أو لم يحتج ، والثاني التعريف الذي به يصل إلى معرفة المالك وإعلامه ، وأما المختلف فيه فالإشهاد عليها . ولأصحابنا في وجوب الإشهاد على اللقطة والملقوط ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الإشهاد فيهما واجب لما فيه من الوثيقة وفي تركه من التغرير .

والوجه الثاني : أن الإشهاد فيهما مستحب : لأن الواجد مؤتمن فلم يجب عليه الإشهاد كالوصي والمودع .

والوجه الثالث : أن الإشهاد على التقاط المنبوذ واجب ، والإشهاد على أخذ اللقطة ليس بواجب ، والفرق بينهما أن اللقطة كسب مال ، فكان أمرها أخف ، واللقيط يتعلق به نسب وإثبات حرية فكان أمره أغلظ ، ألا ترى أن البيع لما كان اكتساب مال لم يجب فيه الشهادة ، ولما كان النكاح مفضيا إلى إثبات نسب وجبت فيه الشهادة ؟ !

التالي السابق


الخدمات العلمية