الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة على أنه متى جاء صاحبها في حياته أو بعد موته فهو غريم إن كان استهلكها " .

قال الماوردي : إذا استكمل تعريفها حولا ، كان بعده بالخيار بين أن يتملكها وبين أن تكون في يده أمانة ، وبين أن يدفعها إلى الحاكم ليحفظها على مالكها بأن يضعها في بيت [ ص: 15 ] المال أو على يد أمين . وقال عبد الله بن عمر : لا يجوز للواجد بعد تعريف الحول أن يتملكها ، بل عليه أن يضعها في بيت المال . وقال مالك : إن كان غنيا جاز له أن يتملكها ، وإن كان فقيرا لم يجز لعجز الفقير عن الغرم وقدرة الغني عليه . وقال أبو حنيفة : يجوز للفقير أن يتملكها دون الغني ، وقد مضى الكلام معه والدليل على جميعهم قوله - صلى الله عليه وسلم - : فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ، وروي في بعض الأخبار أنه قال : فإن جاء صاحبها وإلا فهي لك ، وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - عليه السلام - أن يتملك الدينار وهو لا يجد غرمه حتى غرمه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبطل به قول مالك ، وأذن لأبي بن كعب أن يتملك الصرة وهو غني ، فبطل به قول أبي حنيفة ، ولأن الواجد لو منع بعد الحول من تملكها أدى ذلك إلى أحد أمرين : إما أن لا يرغب الواجد في أخذها ، وإما أن تدخل المشقة عليه في استدامة إمساكها ، فكان إباحة التمليك لها بعد التعريف أحث على أخذها وأحفظ على مالكها لثبوت غرمها في ذمته ، فلا تكون معرضة للتلف وليكون ارتفاق الواجد بمنفعتها في مقابلة ما عاناه في حفظها وتعريفها ، وهذه كلها معان استوى فيها الغني والفقير .

ثم مذهب الشافعي لا فرق بين المسلم والذمي في أخذها للتعريف وتملكها بعد الحول : لأنها كسب يستوي فيها المسلم والذمي .

وقال بعض أصحابنا : لا حق للذمي فيها ، فهو ممنوع من أخذها وتملكها : لأنه ليس من أهل التعريف لعدم ولايته على مسلم ولا ممن يملك مرافق دار الإسلام كإحياء الموات .

التالي السابق


الخدمات العلمية