الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : ومن عمي موته صنفان : غرقى ، ومفقودون ، فأما الغرقى ومن ضارعهم من الموتى تحت هدم أو في حريق ، فلا يخلو حالهم من أربعة أقسام :

أحدهم : أن يعلم ويتيقن موتهم فيمن تقدم منهم وتأخر ، فهذا يورث المتأخر من المتقدم ، ولا يورث المتقدم من المتأخر ، وهذا إجماع .

والقسم الثاني : أن يعلم يقين موتهم أنه كان في حالة واحدة لم يتقدم بعض على بعض ، فهذا يقطع فيه التوارث بينهم بإجماع .

والقسم الثالث : أن يقطع أيهم مات قبل صاحبه ، ثم يطرأ الإشكال بعد العلم به ، فهذا يوقف من تركة كل واحد منهم ميراث من كان معه ويقسم ما سواه بين الورثة ، ويكون الموقوف موضوعا حتى يزول الشك أو يقع فيه الصلح .

والقسم الرابع : أن يقع الشك فيهم ، فلا يعلم هل ماتوا معا أو تقدم بعضهم على بعض ، ثم لا يعلم المتقدم من المتأخر ، فمذهب الشافعي أنه يقطع التوارث بين بعضهم من بعض ويدفع ميراث كل واحد إلى غير من هلك معه من ورثته .

وبه قال من الصحابة أبو بكر وابن عباس وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل والحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، وأصح الروايتين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومن التابعين عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد بن ثابت ، [ ص: 88 ] ومن الفقهاء مالك وأبو حنيفة وأصحابه والزهري .

وقال إياس بن عبد الرحمن : أورث بعضهم من بعض من تلاد أموالهم ، ولا أورث ميتا من ميت مما ورثه عن ذلك الميت ، وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب ، وإحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ومن التابعين شريح والحسن البصري ، ومن الفقهاء الشعبي والنخعي والثوري وابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه استدلالا بأن إشكال التوارث لا يمنع من استحقاقه كالخناثى .

والدليل على سقوط التوارث بينهم أن من أشكل استحقاقه لم يحكم له بالميراث كالجنين ، وكما لو أعتق عبدا مات أخوه وأشكل هل كان عتقه قبل موته أو بعده ؟ لم يرثه بالإشكال ، ولأن من لم يرث بعض المال لم يرث باقيه كالأجانب ، فأما الخناثى فإنما وقف أمره مع الإشكال : لأن بيانه مرجو وليس كذلك الغرقى لفوات البيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية