الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الكلالة فقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها فقال : تكفيك آية الصيف ، يعني قوله في آخر سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [ النساء : 176 ] : لأنها نزلت في يوم صائف فلم يفهمها عمر وقال لحفصة - رضي الله عنهما - : إذا رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيب نفس فاسأليه ، فرأت منه طيب نفس فسألت عنها فقال لها : أبوك كتب لك هذا ، ما أرى أباك يعلمها أبدا ، فكان عمر يقول : ما أراني أعلمها [ ص: 92 ] أبدا ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : ثلاث لأن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة ، والخلافة ، والربا . وإنما لم يزده النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان الكلالة : لأن في الآية من الإشارة ما يكتفي به المجتهد ، وقد كان عمر - رضي الله عنه - من أهل الاجتهاد ، وإن قصر عن إدراكه لعارض .

وقد اختلف في الكلالة فروي عن ابن عباس في إحدى الروايتين عنه أن الكلالة ما دون الولد تعلقا بقوله تعالى : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد [ النساء : 176 ] ، وقال قوم : الكلالة ولد الأم تعلقا بقوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت [ النساء : 12 ] ، يعني : في أم . فاقتضى أن يكون هو الكلالة .

وقال الجمهور : إن الكلالة ما عدا الولد والوالد ، وهذا قول أبي بكر وعلي وزيد وابن مسعود رضي الله عنهم ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك .

ووجه ذلك أن ولد الأم لما سقطوا مع الوالد لسقوطهم مع الولد دل على أن الكلالة من عدا الوالد والولد ، وقد ذكر أبو إسحاق المروزي في شرحه عن عمرو بن شعيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الأخ من الأب والأم أولى من الكلالة ، ولأن الكلالة مصدر من تكلل النسب تشبها بتكلل أغصان الشجرة على عمودها ، فالوالد أصلها والولد فرعها ومن سواهما من المناسبين كالأغصان المتكللة عليها ، وقيل : إن الكلالة من تكلل طرفاه فخلا عن الآباء والأبناء ، وقيل : إن الكلالة مأخوذة من الإحاطة ، ومنه سمي الإكليل لإحاطته بالرأس ، فسمي هؤلاء كلالة لإحاطتهم بالطرفين ، وقد قال الفرزدق في سليمان بن عبد الملك في وصول الخلافة إليهم عن آبائهم لا عن غيرهم :


ورثتم قناة الملك غير كلالة عن ابن مناف عبد شمس وهاشم



وقال الآخر :


فإن أبا المرء أحمى له     ومولى الكلالة لا يغضب



يعني : مولى غير الوالد والولد .

التالي السابق


الخدمات العلمية