الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وللأخوات مع البنات ما بقي إن بقي شيء ، وإلا فلا شيء لهن ، ويسمين بذلك عصبة البنات " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : الأخوات مع البنات عصبة لا يفرض لهن ، ويرثن ما بقي بعد فرض البنات ، فإن كان بنت وأخت فللبنت النصف والباقي للأخت ، وإن كان بنتان وأخت فللبنتين الثلثان والباقي للأخت ، ولو كان مع البنتين عشر أخوات كان الباقي بعد الثلثين بين الأخوات بالسوية ، سواء كن لأب وأم أو لأب ، وبهذا قال الخلفاء الأربعة وجميع الصحابة - رضي الله عنهم - إلا ابن عباس فإنه تفرد بخلافهم ، وهي المسألة الثالثة التي تفرد بخلاف الصحابة فيها فأسقط الأخوات مع البنات ، وبه قال داود ، وكان عبد الله بن الزبير يذهب إلى هذا حتى [ ص: 108 ] أخبره الأسود بن يزيد أن معاذا قضى باليمن في بنت وأخت جعل المال بينهما نصفين ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي ، فرجع عن قوله .

وقال إسحاق بن راهويه : إن كان مع البنات عصبة غير الأخوات كالأعمام وبني الإخوة سقط الأخوات ، وإن لم يكن معهن غير الأخوات صرن إذا انفردن معهن عصبة يأخذن ما بقي بعد فرضهن ، واستدل ابن عباس وقد بلغه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أعطى الأخت مع البنت النصف فقال : أأنتم أعلم أم الله ؟ قال الله عز وجل : إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك [ النساء 176 ] ، وأنتم تقولون لها النصف وإن كان له ولد ، وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله ، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر ، ولأنها لو كانت عصبة مع البنات لكانت عصبة تستوجب جميع المال في الانفراد كالإخوة ، وفي إبطال ذلك دليل على عدم تعصيبهن ولأنها لو كانت عصبة لورث ولدها كما يرث ولد الأخ : لأنه عصبة ولأنها لو كانت عصبة لعقلت وزوجت ، والدليل على صحة ما ذهب إليه الجماعة قوله تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا [ النساء 32 ] ، فكان على عمومه .

وروى الأعمش عن ابن قيس عن هذيل بن شرحبيل قال : " جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن بنت وبنت ابن وأخت لأب وأم فقالا : للبنت النصف والباقي للأخت ، فأت ابن مسعود فإنه سيوافقنا فأتاه الرجل فسأله وأخبر بقولهما فقال : لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين ، ولكن سأقضي فيها بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت للأب والأم " ، وهذا نص ، ولأن الأخوات لما أخذن الفاضل عن فرض الزوج وتقدمن به على بني الإخوة والأعمام كالإخوة أخذن الفاضل عن فرض البنات وتقدمن به على بني الإخوة والأعمام كالإخوة ، ولأن للأخوات مدخلا في التعصيب مع الإخوة ، فكان لهم مدخل في التعصيب مع البنات : لأن جميعهم من ولد الأب ، ولأن الإخوة أقوى تعصيبا من بني الإخوة ، فلما لم تسقط الأخت مع الإخوة في الفاضل بعد فرض البنات فأولى ألا تسقط مع بني الإخوة ، فأما الجواب عن الآية فهو أن الآية منعت من إعطائها فرضا ونحن نعطيها تعصيبا ، وأما الخير فعموم خص منه الأخوات ، بدليل أخذهن مع عدم البنات .

وأما الجواب عن قوله : " لو كانت عصبة لأخذت جميع المال إذا انفردت ، ولكان ولدها وارثا " هو أنه لما لم يكن ذلك مانعا من أن تكون عصبة مع الإخوة لم يمنع أن تكون عصبة مع البنات .

وأما الجواب عن أنها لو كانت عصبة لعقلت وزوجت وورثت فهو أن هذا لو كان مانعا من ميراثها مع البنات لمنع من ميراثها مع عدم البنات ، ثم قد نجد العصبات ينقسمون ثلاثة [ ص: 109 ] أقسام : قسم يعقلون ويزوجون وهم الأعمام والإخوة ، وقسم لا يزوجون ولا يعقلون وهم البنون ، وقسم يزوجون ولا يعقلون وهم الآباء ، ثم جميعهم مع اختلافهم في العقل والتزويج وارث بالتعصيب وكذلك الأخوات .

التالي السابق


الخدمات العلمية