الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا لم يكن ابن مولى فأبو المولى بعده أحق بالولاء من الجد والإخوة لإدلائهم به ، ثم اختلفوا بعد الأب في مستحق الولاء فقال أبو حنيفة : الجد أحق به من الإخوة . وبه قال أبو ثور ، وقال مالك : الإخوة أحق به من الجد .

وقال أبو يوسف ومحمد : إنه بين الجد والأخ نصفين . وبه قال أحمد بن حنبل ، وللشافعي فيه قولان :

أحدهما : إنه للإخوة دون الجد وهو قول مالك : لأن الإخوة أقرب إلى الأب من الجد كما أن ابن الابن أحق من الأب ، فعلى هذا يقدم الأخ للأب والأم على الأخ للأب ولا حق فيه للأخ للأم .

والقول الثاني : إن الجد والإخوة فيه سواء كقول أبي يوسف : لأنه يقاسم الإخوة في المال فقاسمهم في الولاء على هذا لو نقصته مقاسمة الإخوة من ثلث الولاء لم يفرض له الثلث ، بخلاف المال : لأن الولاء لا يستحق بالفرض ، وإنما يستحق بالتعصيب المحض .

فلو كانوا خمسة إخوة وجدا كان الولاء بينهم أسداسا على عددهم للجد منه السدس ولا يقاسم الجد الإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم ، بخلاف المال ، ثم الإخوة مع أبي الجد وجد الجد ، وإن علا كلهم مع الجد الأخير ، فأما بنو الإخوة والجد فعلى قولين :

أحدهما : أن بني الإخوة أحق بالولاء من الجد ، وهو مذهب مالك ، وكذلك بنوهم وإن سفلوا .

والقول الثاني : إن الجد أولى من بني الإخوة ، لقرب درجته ولا يحجب اشتراك بني الإخوة مع الجد ، ويقدم من بني الإخوة من كان لأب ولأم على من كان لأب ، ثم بنوهم وبنو بنيهم وإن سفلوا على هذا الترتيب يتقدمون على الأعمام وبنيهم ، ويتقدم الجد بالولاء على الأعمام لأنهم بنوه ، فأما أبو الجد والعم ففيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : إن أبا الجد أولى بالولاء لولادته .

[ ص: 119 ] والثاني : إن العم أولى بالولاء لقربه .

والثالث : إن أبا الجد والعم سواء ، يشتركان في الولاء يترتبون بعد ذلك ترتيب العصبات ، فإن لم يكن للمولى عصبة فمولى المولى ، فإن لم يكن فعصبته ، ثم مولاه كذلك أبدا ما وجدوا ، فإن لم يوجدوا ووجد مولى عصبته فإن كان مولى آبائه وأجداده ورث : لأن الولاء يسري إليه من أبيه وجده ، وإن كان مولى أبنائه أو أخواته لم يرث : لأن ولاء الابن لا يسري إلى أبيه ولا إلى أخيه ، وإن لم يكن له إلا مولى من أسفل قد أنعم عليه بالعتق لم يرثه في قول الجماعة .

وقال طاوس : له الميراث استدلالا برواية عوسجة عن ابن عباس أن رجلا مات ولم يدع إرثا إلا غلاما له كان أعتقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل له أحد ؟ قالوا : لا إلا غلاما له كان أعتقه . فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميراثه له ، والدليل على ألا ميراث له قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الولاء لمن أعتق .

وروي أن عبد الله بن عمر كان يورث موالي عمر دون بناته : لأن المولى الأعلى ورث لإنعامه فصار ميراثه كالجزاء ، والمولى الأسفل غير منعم فلم يستحق ميراثا ولا جزاء ، فأما إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك له ، فيجوز أن يكون ذلك طعمة منه : لأنه كان أولى بمال بيت المال أن يضعه حيث يرى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية