الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا كان مع الجد أحد من الإخوة أو الأخوات للأب والأم ، وليس معهن من له فرض مسمى قاسم أخا أو أختين أو ثلاثا أو أخا وأختا ، فإن زادوا كان للجد ثلث المال وما بقي لهم " .

قال الماوردي : وهذا صحيح إذا ثبت ما وصفنا من أن الجد يقاسم الإخوة والأخوات [ ص: 126 ] ولا يسقطهم فقد اختلف من قال بتوريثه معهم في كيفية مقاسمته لهم ، فالمروي عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود - رضي الله عنهم - أنه يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث ، فإن نقصته فرض له الثلث ، وبه قال الشافعي ، وروي عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - أنه قاسم بالجد إلى السدس ، فإن نقصته المقاسمة من السدس فرض له السدس ، فيقاسم به إلى خمسة إخوة ، ويفرض له مع الستة السدس ، هذا هو المشهور عنه .

وحكي عن عمران بن الحصين أنه قاسم بالجد إلى نصف السدس ، فإن نقصته منه فرض له نصف السدس ، فكأنه قاسم به إلى أحد عشر أخا ، وفرض له نصف السدس مع الثاني عشر ، وهذا القول ظاهر الخطأ : لأنه ليس الجد مع الإخوة أضعف منه مع البنين ، وقد ثبت أنه لا ينقص مع الابن من السدس ، فكيف يجوز أن ينقص مع الإخوة من السدس ؟ ! وأما مقاسمة علي - عليه السلام - به إلى السدس فاستدل له بأن الجد ليس بأقوى من الأب ، وقد ثبت أن الأب إذا فرض له لم يزد في فرضه على السدس ، فكان الجد إذا فرض له أولى ألا يزاد على السدس ، والدليل على أن الجد يفرض له الثلث مع الإخوة إن نقصته المقاسمة هو أن في الجد رحما وتعصيبا فميراثه مع الابن برحمه فيأخذ به السدس ، وميراثه مع الإخوة بتعصيبه كما أنهم بالتعصيب يرثون ، فلو فرض له السدس لا يسقط تعصيبه وورث برحمه ، وليس في الإخوة ما يدفعون الجد عن تعصيبه : فلذلك فرض له الثلث ليكون السدس بالرحم .

والسدس بالتعصيب الذي أقل أحواله أن يكون كالرحم ، ولأن الجد يحجبه الأخوان إلى الثلث ، وقد استقر في أصول الحجب أن الابنين إذا حجبا إلى فرض كان من زاد عليهما في حكمها في استقرار ذلك الفرض بعد الحجب ، ولا يحجب الثالث زيادة على حجب الثاني ، كالأخوين لما حجبا الأم إلى السدس لم يزدها الثلث حجبا على الثاني حتى ينقص به من السدس ، كذلك الجد لا ينقصه الثالث من الثلث ، وقد روي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنه قال : دخلت على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقلت إني قد رأيت أن أنقص الجد للإخوة ، فقال عمر : لو كنت مستنقصا أحدا لأحد لأنقصت الإخوة للجد ، أليس بنو عبد الله يرثون دون إخوتي ، فما لي لا أرثهم دون إخوتهم ، لإن أصبحت لأقولن في الجد قولا ، فمات من ليلته رضوان الله عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية