الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : قال المزني - رحمه الله تعالى - : " قد زعم الشافعي أن نصف العبد إذا كان حرا يرثه أبوه إذا مات ولا يرث هذا النصف من أبيه إذا مات أبوه فلم يورثه من حيث ورث منه ، والقياس على قوله أنه يرث من حيث يورث " .

قال الماوردي : وهذا اعتراض من المزني على الشافعي في تعليله إبطال ميراث المرتد بأن الله تعالى أثبت المواريث للأبناء من الآباء حيث أثبت المواريث للآباء من الأبناء ، فأبطل المزني هذا التعليل عليه بالعبد إذا كان نصفه حرا أنه يورث عنده بنصفه الحر ولا يرث [ ص: 148 ] هو بنصفه الحر ، فجعل ذلك إبطالا لتعليله واحتجاجا لنفسه في أنه يرث بقدر حريته كما يورث بقدر حريته .

والجواب عنه من وجهين :

أحدهما : رد لاعتراضه .

والثاني : فساد استدلاله . فأما رد اعتراضه فمن وجهين :

أحدهما : أن في ميراث المعتق نصفه قولان أصحهما لا يورث كما لا يرث ، فعلى هذا يسلم الاستدلال ويسقط الاعتراض .

والثاني : أن تعليل الشافعي كلما توجه إلى السبب الذي يشترك فيه الوارث والموروث إذا منع من أن يكون وارثا منع من أن يكون موروثا كالكفر والردة : لأن المعنى في قطع التوارث به قطع الموالاة بينهما ، وهذا معنى يشترك فيه الوارث والموروث .

فأما المعنى الذي يختص به الموروث وحده فلا ، ألا ترى أن القاتل لا يرث وهو يورث ؟ لأن المعنى الذي منعه من الميراث خص به وغير متعد إلى وارثه ، وهكذا الذي نصفه حر قد اختص بالمعنى المانع دون وارثه ، فجاز أن يكون موروثا ولم يجز أن يكون وارثا .

وأما فساد استدلاله في أنه يجب أن يرث بقدر حريته كما يورث بقدر حريته فهو أن الكمال يجب أن يكون مراعا في الوارث دون الموروث : فلذلك جعلناه موروثا : لأن وارثه كامل ولم نجعله وارثا لأنه ليس بكامل ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية