الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما ولد الزنا فحكمه حكم ولد الملاعنة في نفيه عن الزاني ولحوقه بالأم وعلى ما مضى من الاختلاف هل تصير الأم وعصبتها عصبة له أم لا ؟ غير أن توءم الزانية لا يرث إلا ميراث أخ لأم بإجماع أصحابنا ووفاق مالك ، وإن اختلفوا في توءم الملاعنة ، فإن ادعى الزاني الولد الذي ولدته الزانية منه ، فلو كانت الزانية فراشا لرجل كان الولد في الظاهر لاحقا بمن له الفراش ، ولا يلحق بالزاني لادعائه له : لقوله - صلى الله عليه وسلم - : الولد للفراش وللعاهر الحجر .

فأما إن كانت الزانية خلية وليست فراشا لأحد يلحقها ولدها ، فمذهب الشافعي أن الولد لا يلحق بالزاني وإن ادعاه ، وقال الحسن البصري : يلحقه الولد إذا ادعاه بعد قيام البينة ، وبه قال ابن سيرين وإسحاق بن راهويه ، وقال إبراهيم النخعي : يلحقه الولد إذا ادعاه بعد الحد ويلحقه إذا ملك الموطوءة وإن لم يدعه ، وقال أبو حنيفة : إن تزوجها قبل وضعها ولو بيوم لحق به الولد ، وإن لم يتزوجها لم يلحق به ، ثم استدلوا جميعا مع اختلاف مذاهبهم بما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كان يليط أولاد البغايا في الجاهلية بآبائهم في الإسلام ، ومعنى يليط ، أي : يلحق .

قالوا : ولأنه لما كان انتفاء الولد عن الواطئ باللعان لا يمنع من لحوقه به بعد الاعتراف ، فكذلك ولد الزنا ، وهذا خطأ فاسد لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر ما شاء الله أن يذكر ، فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إني عاهرت بأمة في الجاهلية ، فقال - صلى الله عليه وسلم - لا اعتهار في الإسلام ، الولد للفراش وأيما رجل عاهر بأمة لا يملكها أو امرأة لا يملكها ، فادعى الولد فليس بولده ولا يرث ولا يورث ، ولأن ولد الزنا لو لحق بادعاء الزاني إياه للحق به إذا أقر بالزنا ، وإن لم يدعه كولد الموطوءة يشبه في إجماعهم على نفيه عنه مع اعترافه بالزنا دليل على نفيه عنه مع ادعائه له ، ولأنه لو لحق بالاعتراف لوجب عليه الاعتراف ، وقد أجمعوا على أن الاعتراف به لا يلزمه ، فدل على أنه إذا اعترف به لم يلحقه .

فأما الجواب عن الحديث المروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يليط أولاد البغايا في الجاهلية بآبائهم في الإسلام ، فهو أن ذلك منه في عهار البغايا في الجاهلية دون عهار [ ص: 163 ] الإسلام ، والعهار في الجاهلية أخف حكما من العهار في الإسلام ، فصارت الشبهة لاحقة به ومع الشبهة يجوز لحوق الولد ، وخالف حكمه عند انتفاء الشبهة عنه في الإسلام .

وأما ولد الملاعنة مخالف لولد الزنا ، والفرق بينهما أن ولد الملاعنة لما كان لاحقا بالواطئ قبل اللعان جاز أن يصير لاحقا به بعد الاعتراف : لأن الأصل فيه اللحوق والبغاء طارئ وولد الزنا لم يكن لاحقا به في حال فيرجع حكمه بعد الاعتراف إلى تلك الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية