الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر أن خروج البول منهما يقتضي أن يكون مشكلا فقد اختلف الفقهاء في ميراثه ، فمذهب الشافعي أنه يعطي الخنثى أقل نصيبه من ميراث ذكر أو أنثى ، وتعطي الورثة المشاركون له أقل ما يصيبهم من ذكر أو أنثى ، ويوقف الباقي حتى يتبين أمره ، وبه قال داود وأبو ثور ، وقال أبو حنيفة : أعطيه أقل ما يصيبه من ميراث ذكر أو أنثى ، وأقسم الباقي بين الورثة ، ولا أوقف شيئا ، وسئل مالك عن الخنثى فقال لا أعرفه إما ذكرا أو أنثى ، وروي عنه [ ص: 169 ] أنه جعله ذكرا ، وروي عنه أنه أعطاه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ، وهذا قول ابن عباس والشعبي وابن أبي ليلى والأخير من قول أبي يوسف .

فإن ترك خنثيين : قال أبو يوسف إن لهما حالين : حالا يكونان ذكرين وحالا يكونان أنثيين ، وأعطيه نصف الأمرين ، وهكذا يقول في الثلاثة وما زادوا ، وقال محمد بن الحسن : أنزل الخنثيين أربعة أحوال : ذكرين وأنثيين والأكبر ذكرا والأصغر أنثى ، أو الأكبر أنثى والأصغر ذكرا ، وأنزل الثلاثة ثمانية أحوال والأربعة ستة عشر حالا ، والخمسة اثنين وثلاثين حالا .

وما قاله الشافعي من دفع الأقل إليه ودفع الأقل إلى شركائه ، وإيقاف المشكوك فيه أولى لأمرين :

أحدهما : أن الميراث لا يستحق إلا بالتعيين دون الشك وما قاله الشافعي يعين ، وما قاله غيره شك .

والثاني : أنه لما كان سائر أحكامه سوى الميراث لا يعمل فيها إلا على اليقين ، فكذلك الميراث ، فعلى هذا لو ترك الميت ابنا وولدا خنثى ، فعلى قول الشافعي للابن النصف إن كان خنثى رجلا ، وللخنثى الثلث كأنه أنثى ويوقفوا السدس ، فإن بان ذكرا رد على الخنثى ، وإن بان أنثى رد على الابن ، وعلى مذهب أبي حنيفة يكون للخنثى الثلث والباقي للابن ولا يوقف شيء ، وعلى قول أبي يوسف ومحمد ومن قال بتنزيل الأحوال لو كان الخنثى ذكرا كان له النصف ، ولو كان أنثى كان له الثلث ، فصار له في الحالين خمسة أسداس ، فكان له في إحداهما أنثى سدسان ونصف وللابن لو كان الخنثى أنثى الثلثان ، ولو كان ذكرا النصف ، فصار له في الحالين سبعة أسداس ، فكان له في إحداهما نصف ونصف سدس فيقسم بينهما من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة .

ولو ترك بنتا وترك ولدا خنثى وعما ، فعلى مذهب الشافعي للبنت الثلث وللخنثى الثلث : لأنه أقل والثلث الباقي موقوف لا يدفع إلى العم ، فإن بان الخنثى ذكرا رد عليه ، وإن بان أنثى دفع إلى العم .

وعلى قول أبي حنيفة يدفع الثلث الباقي إلى العم ، ولا يوقف .

وعلى قول من نزل حالين قال للبنت الثلث في الحالين فيدفع إليها ، وللخنثى السدس إن كان ذكرا الثلثان ، وإن كان أنثى الثلث ، فصار له في الحالتين الكل ، وكان له في أحدهما النصف فيأخذه ، وللعم إن كان الخنثى أنثى الثلث ، وليس له إن كان ذكرا شيء ، فصار له في الحالين الثلث ، فكان له في إحداهما السدس ، ويقسم من ستة للبنت سهمان وللخنثى ثلاثة أسهم وللعم سهم ، ولو ترك ابنا وبنتا وخنثى ، فعلى مذهب الشافعي هو من عشرين سهما : لأن الخنثى إن كان ذكرا فهو من خمسة ، وإن كان أنثى فمن أربعة ، فصار مجموع الفريضتين من عشرين ، وهو مضروب خمسة في أربعة للابن الخمسان ثمانية أسهم ، [ ص: 170 ] وللبنت الخمس أربعة أسهم ، وللخنثى الربع خمسة أسهم ويوقف ثلاثة أسهم ، فإن بان الخنثى رد عليه ، فصار له ثمانية أسهم كالابن ، وإن كان أنثى رد منها على الابن سهمان ، وعلى البنت سهم .

وعلى قول أبي حنيفة هي من أربعة أسهم للابن سهمان وللبنت سهم وللخنثى سهم ولا يوقف شيء .

وعلى قول من نزل حالين يقول هي من عشرين للابن إن كان الخنثى ذكرا ثمانية ، وإن كان أنثى عشرة ، فصار له في الحالين ثمانية عشر سهما فكان له في إحداهما تسعة أسهم وللبنت إن كان الخنثى ذكرا أربعة ، وإن كان أنثى خمسة ، فصار له في الحالين تسعة ، فكان له في إحداهما أربعة ونصف وللخنثى إن كان ذكرا ثمانية ، وإن كان أنثى خمسة ، فصار له في الحالين ثلاثة عشر ، فكان له في إحداهما ستة ونصف وتصح من أربعين لنزول الكسر ، فلو ترك ولدا خنثى وولد ابن خنثى وعما ، فعلى مذهب الشافعي للولد النصف ويوقف السدس بين الابن وابن الابن والخنثيين : لأنه لأحدهما ويوقف الثلث بين العم والخنثيين .

وعلى قول أبي حنيفة للولد النصف ولولد الابن السدس ، والباقي للعم .

وعلى قول من نزل حالين يقول إن كانا ذكرين فالمال للولد ، وإن كانا أنثيين فللولد النصف ولولد الابن السدس ، والباقي للعم ، فيأخذ الولد نصف الحالين وهو ثلاثة أرباع المال ، ويأخذ ولد الابن نصف الحالين وهو نصف السدس ، ويأخذ العم نصف الحالين وهو السدس .

وعلى قول من ينزل بجميع الأحوال ينزلها أربعة أحوال فيقول : إن كانا ذكرين فالمال للولد ، وإن كانا اثنتين فللولد النصف ولولد الابن السدس ، والباقي للعم ، وإن كان الولد ذكرا وولد الابن أنثى ، فالمال للولد ، وإن كان الولد أنثى وولد الابن ذكرا فللولد النصف ، والباقي لولد الابن ، فصار للولد في الأربعة الأحوال ثلاثة أموال ، فكان له في كل حالة ربعها وذلك ثلاثة أرباع مال ، ولولد الابن في الأربعة الأحوال ثلث المال ، فكان له في حالة واحدة ربع ذلك وهو نصف السدس ، ثم على قياس هذا ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية