الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : في ميراث الحمل

إذا مات رجل وترك حملا يرثه ، نظر حالة ورثته ، فإن كان الحمل يحجبهم فلا ميراث لهم ، وإن كان لا يحجبهم ولكن يشاركهم فقد اختلفت الفقهاء في قدر ما يوقف للحمل ، فحكي عن أبي يوسف أنه يوقف للحمل نصيب غلام ، ويؤخذ منه للورثة ضمين ، وحكي عن محمد بن الحسن أنه يوقف له نصيب أنثى ، وحكي عن أبي حنيفة أنه يوقف له نصيب أربعة ، وبه قال أبو العباس بن سريج استدلالا بأنهم أكثر من وجد من حمل واحد . وروى يحيى بن آدم فقال سألت شريكا فقال يوقف نصيب أربعة فإني قد رأيت بني ابن إسماعيل أربعة ولدوا في بطن : محمد وعلي وعمر ، قال يحيى : وأظن الرابع إسماعيل ، ومذهب الشافعي أنه يوقف [ ص: 171 ] سهم من يشارك الحمل في ميراثه حتى يوضع فيتبين حكمه ، ولا يدفع إليهم شيء إذا لم يتقدر أقل من فرضهم : لأن عدد الحمل غير معلوم على اليقين والميراث لا يستحق بالشك ولا بالغالب المعهود ، وليس لما ذكروه من تقديره بالواحد أو بالاثنين أو بالأربعة وجه ، لجواز وجود من هو أكثر ، وقد أخبرني رجل ورد علي من اليمن طالبا للعلم وكان من أهل الدين والفضل ، أن امرأة باليمن وضعت حملا كالكرشي وظن ألا ولد فيه ، فألقي على قارعة الطريق ، فلما طلعت عليه الشمس وحمى بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور عاشوا جميعا ، وكانوا خلقا سويا إلا أنه قال في أعضائهم قصر ، قال : وصارعني رجل منهم فصرعني فكنت أعير باليمن ، فيقال لي : صرعك سبع رجل ، وإذا كان هذا مجوزا وإن كان نادرا جازت الزيادة عليه أيضا ، فعلى هذا لو ترك الميت ابنا وزوجة حاملا فللزوجة الثمن لا ينقصها الحمل منه ، ولا يدفعها عنه ، وإنما الخلاف في الابن ، فعلى قول أبي يوسف له النصف ، ويوقف النصف ، وعلى قول محمد بن الحسن له الثلث ويوقف الثلثان ، وعلى قول أبي حنيفة له الخمس وتوقف الأربعة الأخماس ، وعلى قول الشافعي يوقف الجميع حتى يوضع الحمل ، ولو تركت الأم زوجا وابن عم وأما حاملا ، وطلبت الورثة أنصباءهم نظر في حمل الأم ، فإن كان من غير أب أعطي الزوج النصف والأم السدس : لأنها ما تلد اثنين فيحجبانها ويوقف الثلث ، فإن ولدت اثنين فأكثر دفع الثلث إليهم ، فإن ولدت واحدا دفع إليه السدس ورد السدس الباقي على الأم لتستكمل الثلث ، فإن وضعت ميتا كمل للأب الثلث ودفع السدس إلى ابن العم وينبغي لزوج الأم في مثل هذه الحال أن يمسك عن وطئها ليعلم تقدم حملها ، فإن لم يفعل ووطئها نظر ، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من حين الوفاة كان الولد وارثا لتقدم العلوق به على الوفاة ، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر لم ترث لإمكان حدوثه بعد الوفاة إلا أن يعترف الورثة بتقدمه فيرث هذا إذا كان حملها من غير الأب .

فأما إن كانت الأم حاملا من أبي الميتة دفع إلى الزوج ثلاثة أثمان المال وإلى الأم الثمن ووقف أربعة أثمانه : لأنها قد تلد بنتين فيكونا أختين من أب فتعول إلى ثمانية ، فإن وضعت اثنين بنين أخذ الموقوف ، وإن وضعت بنتا واحدة دفع إليها من الموقوف بثلاثة أثمان المال ورد الثمن الباقي على الأم ، وإن وضعت ابنا كمل للزوج النصف وللأم الثلث ودفع الباقي إلى الابن .

وإن وضعت ابنتين كمل للزوج النصف وللأم السدس ودفع الباقي إلى الابنتين .

ولو تركت زوجا وأختا لأب وأم وأختا لأب وزوجة أب حاملا منه أعطي الزوج ثلاثة أسباع المال ، والأخت للأب والأم ثلاثة أسباعه ، ووقف السبع الباقي ، فإن ولدت ذكرا لم يرث ولم ترث أخته ورد السبع الموقوف على الزوج والأخت نصفين ، فإن ولدت أنثى أو إناثا دفع السبع الموقوف إلى المولودة والأخت للأب لأنهما أختان لأب ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية