الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن لم يكن للميت وارث فأوصى بجميع ماله ، ردت الوصية إلى الثلث ، والباقي لبيت المال ، وقال أبو حنيفة : وصيته إذا لم يكن له وارث نافذة في جميع ماله : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما منع سعدا من الزيادة على الثلث قال : لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس . فجعل المنع من الزيادة حقا للورثة .

فإذا لم يكن له وارث سقط المنع . وبما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " من لا وارث له وضع ماله حيث شاء " .

ولأن من جازت له الصدقة بجميع ماله ، جازت وصيته بجميع ماله .

ودليلنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن الله تعالى أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم ، ولأن الأنصاري أعتق ستة مملوكين له لا مال له غيرهم ، فجزأهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أجزاء : فأعتق اثنين ، وأرق أربعة ، ولم يكن له وارث ، ولأنه لو كان له وارث لوقف على إجازته ، ولأن مال من لا وارث له يصير إلى بيت المال إرثا : لأمرين : أحدهما أنه تخلف الورثة في استحقاق ماله ، والثاني أنه يعقل عنه كورثته ، فلما ردت وصيته مع الوارث إلى الثلث ردت إلى الثلث مع بيت المال لأنه وارث .

وقد تحرر منه قياسان :

أحدهما : أن كل جهة استحقت التركة بالوفاة ، منعت من الوصية بجميع المال كالورثة .

والثاني : أن ما منع من الوصايا مع الورثة منع منها مع بيت المال ، كالديون .

[ ص: 196 ] فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - : لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة فهو أنه لم يجعل ذلك تعليلا لرد الزيادة على الثلث ، ولو كان ذلك تعليلا لجازت الزيادة على الثلث مع غناهم ، إذا لم يصيروا عالة يتكففون الناس ، وإنما قاله صلة في الكلام وتنبيها على الحظ .

وأما قول ابن مسعود : " يضع ماله حيث يشاء " ، فماله الثلث وحده ، وله وضعه حيث شاء .

وأما الصدقة فهي كالوصية ، إن كانت في الصحة أمضيت مع وجود الوارث وعدمه ، وإن كانت في المرض ردت إلى الثلث مع وجود الوارث وعدمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية