الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ( ولو قال ) ضعف ما يصيب أحد ولدي أعطيته مثله مرتين ( وإن قال ) ضعفين ، فإن كان نصيبه مائة أعطيته ثلاثمائة ، فكنت قد أضعفت المائة التي تصيبه بمنزلة مرة بعد مرة " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أوصى لرجل بمثل ضعف نصيب أحد أولاده ، كان الضعف مثل أحد النصيبين .

فإن كان نصيب الابن مائة كان للموصى له بالضعف مائتين ، وبه قال جمهور الفقهاء ، وبه قال الفراء وأكثر أهل اللغة .

وقال مالك : الضعف مثل واحد ، فسوى بين المثل والضعف . وبه قال من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى استدلالا بقوله تعالى : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين .

فلما أراد بالضعفين مثلين علم أن الضعف الواحد مثل واحد .

واستدلوا على أن المراد بضعفي العذاب مثليه بأنه لا يجوز أن يعاقب على السيئة بأكثر مما يجازى على الحسنة .

وقد قال تعالى في نساء النبي : ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين [ الأحزاب 31 ] .

فعلم أن ما جعله من ضعف العذاب على السيئة مرتين ، فدل على أن الضعف والمثل واحد .

والدليل على أن الضعف مثلان هو اختلاف الأسماء توجب اختلاف المسمى إلا ما خص بدليل ، ولأن الضعف أعم في اللغة من المثل ، فلم يجز أن يسوي بينه وبين المثل .

ولأن انشقاق الضعف من المضاعفة ، والتنبيه من قولهم : أضعف الثوب إذا طويته بطاقتين ونرجس مضاعف إذا كان موضع كل طاقة طاقتين ومكان كل ورقة ورقتين ، فاقتضى أن يكون الضعف مثلين .

وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - أضعف الصدقة على نصارى بني تغلب ، أي أخذ مكان الصدقة صدقتين ، ويدل عليه قول الشاعر في عبد الله بن عامر :


وأضعف عبد الله إذ كان حظه على حظ لهفان من الخرص فاغر



[ ص: 205 ] أراد به إعطائه مثلي جائزة اللهفان .

فأما الآية : فعنها جوابان أحدهما ما قاله أبو العباس عن الأثرم عن بعض المفسرين : أنه جعل عذابهن إذا أتين بفاحشة ثلاثة أماثل عذاب غيرهن فلم يكن فيه دليل .

والثاني : أن الضعف قد يستعمل في موضع المثل مجازا ، إذا صرفه الدليل عن حقيقته ، وليست الأحكام معلقة بالمجاز ، وإنما تتعلق بالحقائق .

التالي السابق


الخدمات العلمية