الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإن كانت الوصية بخدمة العبد على التأبيد كأن قال : قد أوصيت لزيد بخدمة عبدي أبدا ، فالوصية جائزة إذا تحملها الثلث .

واختلف أصحابنا في الذي يعتبر قيمته في الثلث على وجهين :

أحدهما : قاله في اختلاف العراقيين وهو اختيار ابن سريج أنه تقوم جميع الرقبة في الثلث ، وإن اختصت الوصية بالمنفعة ، كما تقوم رقبة الوقف في الثلث ، وإن ملك الموقوف عليه المنفعة .

فعلى هذا هل يصير الموصى له مالكا الرقبة ، وإن منع من بيعها أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يملكها لاختصاص الوصية بمنافعها .

والثاني : يملكها ، كما يملك أم ولده ، وإن كان ممنوعا من بيعها لتقويمها عليه في الثلث ، وهذا قول أبي حامد المروروذي .

وهذا إذا قيل إن الرقبة هي المقومة .

والوجه الثاني : أنه يقوم منافع العبد في الثلث دون رقبته ؛ لأن التقويم إنما يختص بما تضمنته الوصية ، ولا يجوز أن يتجاوز بالتقويم إلى غيره ، ولأنه لو أوصى بالمنفعة إلى رجل [ ص: 222 ] وبالرقبة لغيره ، لم يقوم في حق صاحب المنفعة إلا المنفعة دون الرقبة ، كذلك إذا استبقى الرقبة على ملك الورثة .

واعتبار ذلك أن يقال : كم قيمة العبد بمنافعه ؟ فإذا قيل مائة دينار . قيل : وكم قيمته مسلوب المنافع ؟ فإذا قيل : عشرون دينارا . علم أن قيمة منافعه ثمانون دينارا ، فتكون هي القدر المعتبر من الثلث .

فعلى هذا هل يحتسب الباقي من قيمة الرقبة وهو عشرون دينارا على الورثة أم لا ؟

على وجهين : أحدهما يحتسب به عليهم ؛ لأنه قد دخل في ملكهم ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي .

والوجه الثاني : لا يحتسب به عليهم ؛ لأن ما زالت عنه المنفعة زال عنه التقويم .

فإذا ثبت ما ذكرناه ، وخرج القدر الذي اعتبرناه من الثلث ، صحت الوصية بجميع المنفعة ، وكان للموصى له استخدامه أبدا ما دام حيا ، وأخذ جميع أكسابه المألوفة .

وهل يملك ما كان غير مألوف منها كاللقطة ؟ على وجهين أصحهما يملكه .

وفي نفقته ثلاثة أوجه :

أحدها وهو قول أبي سعيد الإصطخري : أنها على الموصى له بالمنفعة ؛ لأن المنفعة تختص بالكسب .

والثاني : وقول أبي علي بن أبي هريرة : أنها على الورثة لوجوبها بحق الملك .

والوجه الثالث : حكاه أبو حامد الإسفراييني : تجب في بيت المال ؛ لأن كل واحد من مالكي الرقبة والمنفعة .

ولم يكمل فيه استحقاق وجوبها عليه ، فعدل بها إلى بيت المال ، فإذا مات الموصى له ، فهل تنتقل المنفعة إلى وارثه أم لا ؟

على وجهين حكاهما أبو علي الطبري في إفصاحه :

أحدهما : أن المنفعة تنتقل إلى ورثته لتقومها على الأبد في حقه . فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة العبد .

والوجه الثاني : قد انقطعت الوصية بموت الموصى له ؛ لأنه وصي له في عينه بالخدمة لا لغيره .

فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة الموصى له ، ثم تعود بعد موته إلى ورثة الموصي .

التالي السابق


الخدمات العلمية