الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا أوصى له بثمرة بستانه فذلك ضربان :

أحدهما : أن تكون الثمرة موجودة فالوصية بها صحيحة وتعتبر قيمة الثمرة عند موت الموصي ، لا حين الوصية .

فإن خرجت من الثلث فهي للموصى له .

وإن خرج بعضها كان له منها قدر ما احتمله الثلث ، وكان الورثة شركاء فيها بما لم يحتمله الثلث منها .

والضرب الثاني : أن يوصي بثمرة لم تخلق أبدا ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يوصي بثمرته على الأبد ، فالوصية جائزة وفيما يقوم في الثلث وجهان : أحدهما جميع البستان .

والثاني : أن يقوم كامل المنفعة ، ثم يقوم مسلوب المنفعة ، ثم يعتبر ما بين القيمتين من الثلث ، فإن احتمله نفذت الوصية بجميع الثمرة أبدا ما بقي البستان ، وإن احتمل بعضه كان للموصى له قدر ما احتمله الثلث يشارك فيه الورثة ، مثل أن يحتمل النصف ، فيكون للموصى له النصف من ثمرة كل عام ، وللورثة النصف الباقي .

وإذا احتمل الثلث جميع القيمة ، وصارت الثمرة كلها للموصى له ، فإن احتاجت إلى سقي ، فلا يجب على الورثة السقي ، بخلاف بائع الثمرة ، حيث وجب عليه سقيها للمشتري [ ص: 228 ] إذا احتاجت إلى السقي ؛ لأن البائع عليه تسليم ما تضمنه العقد كاملا ، والسقي من كماله ، وليس كذلك الوصية ؛ لأن الثمرة تحدث على ملك الموصي ، ولا يجب على الموصى له سقيها ، لأنها بخلاف نفقة العبد ؛ لأن نفقة العبد مستحقة لحرمة نفسه ، بخلاف الثمرة ، وكذلك لو احتاجت النخل إلى سقي لم يلزم واحد منهما .

وأيهما تطوع به لم يرجع به على صاحبه ، فإن مات النخل أو استقطع ، فأجذاعه للورثة دون الموصى له ، وليس للموصى له أن يغرس مكانه ، ولا إن غرس الورثة مكانه نخيلا ، وكان للموصى فيه حق ؛ لأن حقه في النخل الموصى له به دون غيره .

والضرب الثاني : أن يوصي بثمر له مدة مقدرة ، كأن أوصى له بثمرة عشر سنين ، فمن أصحابنا من ذهب إلى بطلان الوصية مع التقدير بالمدة ، بخلاف المنفعة ؛ لأن تقويم المنفعة المقدرة ممكن وتقويم الثمار المقدرة بالمدة غير ممكن .

وذهب سائر أصحابنا إلى جوازها كالمنفعة ، وفيما يقوم في الثلث وجهان :

أحدهما : أنه يقوم البستان كامل المنفعة ، ويقوم مسلوب المنفعة ، ثم يعتبر ما بين القيمتين في الثلث ، والوجه الثاني : أن ينظر أوسط ما يثمره النخل غالبا في كل عام ، ثم يعتبر قيمة الغالب من قيمة الثمرة في أول عام ، ولا اعتبار بما حدث بعده من زيادة ونقص ، فإن خرج جميعه من الثلث ، فقد استحق جميع الثمرة في تلك المدة ، وإن خرج نصفه فله النصف من ثمرة كل عام ، إلى انقضاء تلك المدة ، وليس له أن يستكمل هذه كل عام في نصف تلك المدة ؛ لأنه قد تختلف ثمرة كل عام في المقادير والأثمان ، فخالف منافع العبد والدار .

ومثل الوصية بثمرة البستان : أن تكون له ماشية فيوصي لرجل برسلها ونسلها .

وتجب نفقة الماشية كوجوب نفقة العبد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية