الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو كان أكثر من الثلث فأجاز الورثة في حياته لم يجز ذلك إلا أن يجيزوه بعد موته " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أوصى بأكثر من ثلثه ، وسأل وارثه إجازة وصيته ، فأجازها في حياته ، لم يلزمه الإجازة ، وكان مخيرا بعد الموت بين الإجازة والرد ، وبه قال أبو حنيفة وأكثر الفقهاء .

[ ص: 229 ] وقال الحسن البصري وعطاء والزهري : قد لزمتهم الإجازة ، سواء أجازوا في الصحة ، أو في المرض .

وقال مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى : إن أجازوه في الصحة لم يلزمهم ، وإن أجازوه في المرض لزمهم . استدلالا بأن التركة بين الموصي والورثة ، فإذا اجتمعوا فيها على عطية لم يكن عليهم فيها اعتراض ، كالمفلس مع غرمائه ، والمرتهن مع راهنه .

وهذا فاسد من وجوه :

أحدها : أن الإجازة إنما تصح ممن يملك ما أجاز ، وهو قبل الموت لا يملكه ، فلم تصح منه إجازته .

والثاني : أنه يملك الإجازة من يملك الرد ، فلما لم يملك الرد في حال الحياة لم يملك الإجازة .

والثالث : أن الإجازة إنما تصح من وارث ، وقد يجوز أن يصير هذا المجيز غير وارث ، فلم تصح منه الإجازة .

والرابع : أن إجازته قبل الإرث كعفوه عن الشفعة قبل البيع ، وعن العيب قبل الشراء ، وذلك مما لا حكم له .

وكذلك الإجازة قبل الموت ، وبذلك المعنى فارق الغرماء مع المفلس ، والمرتهن مع الراهن لاستحقاقهم لذلك في الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية