الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن قال أعطوه دابة من مالي فمن الخيل أو البغال أو الحمير ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا ، أعجف أو سمينا " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، أما اسم الدواب فينطلق على كل ما دب على الأرض من حيوان اشتقاقا من دبيبه عليها ، قال الله تعالى : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها [ هود : 6 ] غير أنه في العرف مختص ببعضها ، فإن قال : أعطوه دابة من دوابي ، قال الشافعي : يعطى من الخيل ، أو البغال ، أو الحمير .

واختلف أصحابنا : فكان أبو العباس بن سريج يحمل ذلك على عرف الناس بمصر ، حيث قال ذلك فيهم ، وذكره لهم اعتبارا بعرفهم ؛ لأن اسم الدواب في عرفهم منطلق على الأجناس الثلاثة من الخيل ، والبغال ، والحمير .

فأما بالعراق والحجاز ، فلا ينطلق إلا على الخيل ولا يتناول غيرها إلا مجازا بعرف بقرينته .

فإن كان هذا الموصي بمصر ، خير ورثته بين الخيل والبغال والحمير ، وإن كان بالعراق لم يعطوه إلا من الخيل .

وقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة : بل الجواب محمول على ظاهره في كل البلاد ؛ لأن اسم الدواب ينطلق على هذه الأجناس الثلاثة من الخيل ، والبغال ، والحمير .

فإن شذ بعض البلاد بتخصيص بعضها بالاسم لم يعتبر به حكم العرف العام .

فلو قرن ذلك بما يدل على التخصيص ، حمل على قرينته ، كقوله : أعطوه دابة يقاتل عليها ، فلا يعط إلا من الخيل عتيقا ، أو هجينا ، ذكرا أو أنثى ، ولا يعط صغيرا ولا قمحا لا يطيق الركوب .

ولو قال دابة يحمل عليها ، أعطي من البغال أو الحمير دون الخيل .

ولو قال دابة ينتفع بنتاجها ، أعطي من الخيل ، أو الحمير دون البغال ؛ لأنها لا نتاج لها .

ولو قال دابة ينتفع بدرها وظهرها ، لم يعط إلا من الخيل ، لأن لبنها من لبن غيرها من البغال والحمير محظور .

ولو قال : دابة من دوابي ، ولم يكن في ماله إلا أحد الأجناس لم يعط غيره ، ولو كان في ماله جنسان أعطاه الوارث أحدهما ، ولم يعطه الثالث الذي ليس في ماله .

[ ص: 236 ] ولو قال : دابة من مالي وإن في ماله أحد الأجناس ، كان الوارث بالخيار ، في إعطائه ذلك الجنس ، أو العدول عنه إلى أحد الجنسين الآخرين شراء من غير ماله .

التالي السابق


الخدمات العلمية