الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والقسم الثاني : أن يوصي بالحج من ثلثه ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يجعل كل الثلث مصروفا إلى الحجة الواجبة ، فهذا يحج عنه بالثلث من بلده إن أمكن ولا يجوز أن يدفع إلى وارث إن زاد على أجرة المثل ويجوز أن يدفع إليه إن لم يزد .

فإن عجز الثلث عن الحج من بلده ، أحج به عنه من حيث أمكن من طريقه ، فإن عجز إلا من ميقات البلد أحج به عنه من ميقات بلده .

فإن عجز عن الحج من ميقات بلده وجب إتمام أجرة المثل من ميقات بلده من رأس المال ، فصار فيها دور ؛ لأن ما يتمم به أجرة المثل من رأس ماله يقتضي نقصان ثلث المال .

مثاله : أن يكون ماله مائة درهم وأجرة المثل أربعون درهما ، فإذا أردت أن تعرف قدر الثلث وقدر ما يتم به الثلث من رأس المال أسقطت من المال قدر أجرة المثل وذلك أربعون درهما يكون الباقي ستين درهما ، ثم زدت عليه مثل نصفه فيصير تسعين درهما ، فهو المال الباقي بعدما أخذ تمام الثلث ، فإذا أخذت ثلثه ، كان ثلاثين درهما وضممت إليه العشرة الباقية من المائة صارت أربعين درهما ، هي قدر أجرة المثل ، فمنها ثلاثون درهما هي ثلث المال وعشرة دراهم من رأس المال وعرضه .

والضرب الثاني : ألا يجعل كل الثلث مصروفا إلى الحج ، بل يقول أحجوا عني من ثلثي رجلا ، فهذا على ضربين :

[ ص: 245 ] أحدهما : أن يذكر قدرا كأنه قال : أحجوا عني رجلا بمائة درهم ، فلا يزاد عليها إن وجد ويستأجر من يحج بها من حيث أمكن من بلده ، أو من ميقاته .

وإن لم يوجد من يحج بها من ميقاته وجب إتمامها من رأس المال ، لا من ثلثه ؛ لأنه القدر الذي جعله في الثلث هو المائة ، لا ما زاد عليها والضرب الثاني : ألا يذكر القدر فيخرج من ثلثه قدر أجرة المثل ، ثم فيها وجهان :

أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي والظاهر من كلام الشافعي : أجرة المثل من بلد الموصي ؛ لأن الوصية في الثلث تقتضي الكمال .

والوجه الثاني : أجرة مثل الميقات ، كما لو جعله من رأس المال وما يزاد عليه تطوع لا يخرج إلا بالنص ، فإن عجز الثلث عن جميع الأجرة تمم جميعا مثل أجرة الميقات من رأس المال .

فلو كان في الثلث مع الحج عطايا ووصايا ، ففي تقديم الحج على الوصايا وجهان حكاهما أبو إسحاق المروزي :

أحدهما : يقدم الحج على جميع الوصايا في الثلث ؛ لأنه مصروف في فرض ، ثم يصرف ما فضل بعد الحج في أهل الوصايا .

والوجه الثاني : أنه يسقط الثلث بين الحج والوصايا بالحصص ؛ لأن الحج وإن وجب فحمله في الثلث ، فساوى في الثلث أهل الوصايا ، ثم تمم أجرة المثل من رأس المال .

وعلى هذين الوجهين : لو كانت عليه ديون واجبة وأوصى بقضائها من ثلثه ، ففيه وجهان :

أحدهما : يقدمون على أهل الوصايا .

والثاني : يحاصونهم ، ثم يستكملون الوصايا من رأس المال .

فهذا حكم القسم الثاني ، إذا جعله من ثلثه .

التالي السابق


الخدمات العلمية