الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو أوصى بثلثه للمساكين نظر إلى ماله فقسم ثلثه في ذلك البلد " .

قال الماوردي : ولو أوصى بثلثه للمساكين دخل معهم الفقراء ، ولو أوصى به للفقراء دخل معهم المساكين .

قال الشافعي : " لأن الفقير مسكين ، والمسكين فقير ، وإنما يتميز الطرفان إذا جمع بينهما بالذكر " .

فالفقير هو الذي لا مال له ولا كسب ، والمسكين هو الذي له مال أو كسب لا يغنيه .

فالفقير أسوأ حالا من المسكين على ما يستدل عليه في قسم الصدقات .

فإذا أوصى بثلث ماله للمساكين ، قسم في ثلاثة فصاعدا من المساكين أو من الفقراء والمساكين ، أو من الفقراء دون المساكين .

وهكذا إذا أوصى بثلث ماله للفقراء ، قسم في ثلاثة فصاعدا من الفقراء ، أو من المساكين والفقراء ، أو من المساكين دون الفقراء ؛ لأن كلا الصنفين في الانفراد واحد .

ثم قسم ذلك بينهم على قدر حاجاتهم ، فإن كان فيهم من يستغني بمائة ومنهم من يستغني بخمسين أعطى من غناه مائة سهمين وأعطى من غناه خمسين سهما واحدا .

ولا يفضل ذو قرابة بقرابته ، وإنما يقدم ذو القرابة على غيره إذا كان فقيرا لقرابته ؛ لأن للعطية له صدقة وصلة وما جمع ثوابين كان أفضل من التفرد بأحدهما .

فإذا صرف الثلث في أقل من ثلاثة من الفقراء والمساكين ضمن ، فإن صرف حصته في اثنين كان في قدر ما يضمنه وجهان :

[ ص: 271 ] أحدهما وهو الذي نص عليه الشافعي في كتاب الأم : أنه يضمن ثلث الثلث ؛ لأن أقل الأجزاء ثلاثة والظاهر مساواتهم فيه .

والوجه الثاني : أنه يضمن عن الثلث قدر ما لو دفعه إلى ثالث آخر ، فلا ينحصر بالثلث ؛ لأن له التسوية بينهم والتفضيل .

ولو كان اقتصر على واحد ، فأحد الوجهين أنه يضمن ثلثي الثلث .

والوجه الثاني : أنه يضمن أقل ما يجزئه في الدفع إليهما ، فلو أوصى بثلث ماله للفقراء والمساكين ، صرف الثلث في الصنفين بالتسوية ودفع السدس إلى الفقراء وأقلهم ثلاثة ، وإن صرفه في أحد الصنفين ضمن السدس للنصف الآخر وجها واحدا .

ثم عليه صرف الثلث في فقراء البلد الذي فيه المال دون المالك كالزكاة ، فإن تفرق ماله ، أخرج في كل بلد ثلث ما فيه ، فإن لم يوجدوا فيه ، نقل إلى أقرب البلاد إليه كما قلنا في زكاة المال ، فأما زكاة الفطر ففيه وجهان :

أحدهما : أنها تخرج في بلد المال دون المالك كزكاة المال .

والوجه الثاني : أنها تخرج في بلد المالك دون المال ؛ لأنها عن فطرة بدنه وطهور لصومه .

فإن نقل الزكاة عن بلد المال إلى غيره كان في الإجزاء قولان .

فأما نقل الوصية ، فقد اختلف أصحابنا : فمنهم من خرجه على قولين كالزكاة ومنهم من قال يجزئ قولا واحدا وإن أساء ؛ لأن الوصية عطية من آدمي ، فكان له أن يضعها حيث شاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية