الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكذلك لو أوصى لغازين في سبيل الله فهم الذين من البلد الذي به ماله " .

قال الماوردي : وهذا صحيح : إذا جعل ثلث ماله مصروفا في الغارمين .

والغارمون ضربان : ضرب استدانوا في المصالح العامة كتحمل للدية " العمد " ، أو غرم مالا في إصلاح ذات البين ، أو تيسير الحج ، أو إصلاح سبيلهم .

فهذا الصنف من الغارمين لا يراعى فقرهم ويجوز أن يعطوا مع الغنى .

[ ص: 272 ] والضرب الثاني : أن يستدينوا في مصالح أنفسهم ، فيراعى فيهم الفقر ولا يجوز أن يعطوا مع الغنى والقدرة .

ثم ينظر فيما استدانوا : فإن كانوا صرفوه في مستحب أو مباح ، أعطوا ، وإن صرفوه في معصية ، فإن لم يتوبوا منها لم يعطوا ، لما في إعطائهم من إعانتهم عليها وإغرائهم بها .

وإن تابوا ففي إعطائهم وجهان :

أحدهما : " لا يعطون " لهذا المعنى .

والوجه الثاني : يعطون لارتفاعها بالتوبة .

وأقل ما يصرف الثلث في ثلاثة فصاعدا في الغارمين ، وأي الصنفين أعطى منهم أجزأ ، ويكون ما يعطيهم بحسب غرمهم ، قال الشافعي : " ويعطي من له الدين عليهم أحب إلي ، ولو أعطوه في دينهم رجوت أن يسع " .

فإن صرفه في اثنين غرم للثالث ، وفيه وجهان :

أحدهما : يضمن ثلث الثلث .

والثاني : أنه يضمن أقل ما يجزئه أن يعطيه ثالثا ، ويكون ذلك خاصا بغارمي بلد المال ومن كان منهم ذا رحم ، أولى لما في صلتها من زيادة الثواب ، فإن لم يكونوا فجيران المال ، لقوله تعالى : والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب [ النساء : 36 ] ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .

قال الشافعي : " وأقصى الجوار بينهم أربعون دارا من كل ناحية " ا هـ . هكذا لو أوصى لجيرانه ، كان جيرانه منتهى أربعين دارا من كل ناحية .

وقال قتادة : الجار : الدار والداران .

وقال سعيد بن جبير : الذين يسمعون الإقامة .

وقال أبو يوسف : هم أهل المسجد .

ودليلنا : ما روي أن رجلا كان نازلا بين قوم فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشكوهم ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر وعليا - رضي الله عنهم - وقال : اخرجوا إلى باب المسجد وقولوا : ألا إن الجوار أربعون دارا .

التالي السابق


الخدمات العلمية