الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا اشترى الرجل أباه في مرض موته بمائة درهم هي قدر ثلثه ؛ لأنه لا يملك سوى ثلاثمائة درهم عتق عليه من الثلث ولم يرثه ؛ لأن عتقه إذا كان في الثلث وصية ولا يجمع له بين الوصية والتوريث ، ولو ورث لمنع الوصية ولو منعها لبطل العتق والشراء ، وإذا بطل العتق والشراء بطل الميراث ، فلما كان توريثه يفضي إلى إبطال الوصية والميراث ، أثبتنا الوصية وأبطلنا الميراث .

فلو اشترى بعد أن عتق أبوه عبدا بمائة درهم وأعتقه كان عتقه باطلا ؛ لأنه قد اشترى ثلثه بعتق أبيه ، فرد عليه عتق من سواه .

ولو كان قبل شراء أبيه أعتق عبدا هو جميع ثلثه ، ثم اشترى أباه وليس له ثلث يحتمله ولا شيئ منه ، ففيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الشراء باطل ؛ لأنه لو صح لثبت الملك ، ولو ثبت الملك لنفذ العتق والعتق لا ينفذ جبرا فيما جاوز الثلث ، فكذلك كان الشراء باطلا ، وسواء أفاد بعد ذلك ما خرج ثمن الأب من ثلثه أو لم يفد ، لفساد العقد .

والوجه الثاني : أن الشراء لازم صحيح ؛ لأنه لم يقترف بالعقد ما يفسده ، وإنما عتقه بالملك حال يختص بالعاقد ، فلم يؤثر في فساد العقد .

فعلى هذا يستبقى رق الأب على ملك ولده ، وإن أفاد ما يخرج به من ثمن الأب من ثلثه عتق ولم يرث ، وإن لم يستفد شيئا كان على رقه ، فإذا مات الابن المشتري صار الأب موروثا لورثة ابنه .

فإن كانوا ممن يعتق عليهم الأب لأنهم إخوة أو بنون ، عتق عليهم بملكهم له بالميراث .

وإن لم يكن الورثة ممن يعتق عليهم الأب ، لأنهم أعمام ، أو بنو أعمام كان ملكهم موقوفا .

[ ص: 276 ] والوجه الثالث : أن الشراء موقوف ، فإن أفاد الابن ما يخرج به عن الأب من ثلثه ، عتق عليه ولم يرثه وإن أبرأه البائع من ثمنه ، عتق عليه ؛ لأنه صار كالموهوب له ، وفي ميراثه وجهان ؛ لأن عتقه عليه بغير ثمن .

وإن لم يفد شيئا ولا أبرئ من ثمنه ، فسخ البيع حينئذ ورد الأب على البائع ؛ لأنه لا يجوز أن يملك الابن أباه ، فلا يعتق عليه ؛ فلذلك فسخ العقد فيه .

والوجه الأول حكاه أبو حامد الإسفراييني ، والوجه الثاني والثالث حكاهما ابن سريج .

فعلى هذا لو اشترى الابن أباه في مرض موته وثمنه خارج من ثلثه ، ثم مات وعليه دين يستوعب جميع تركته ، فإن أمضى الغرماء ما أعتقه نفذ ، وإن ردوه فهو على الرق ، وفي بطلان الشراء وجهان :

أحدهما : باطل ، لئلا يستبقى ملك الابن لأبيه .

والوجه الثاني : جائز ويباع في دينه ، لعجز الثلث عن ثمنه .

ثم يتفرع على هذا : لو وهب أباه في مرض موته ، فقبله وقبضه وكانت عليه ديون تستوعب جميع تركته ، لم تبطل الهبة . وهل ينفذ عتقه ، أو يباع لديون غرمائه ؟ على وجهين : أحدهما أن عتقه نافذ ؛ لأنه لم يستهلك على غرمائه من ماله شيئا .

والوجه الثاني : أن عتقه يرد كما يرد عتق المباشرة وتباع ديون غرمائه ؛ لأن ديونهم مقدمة على العتق في المرض ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية