الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما المحاباة في الشراء فهو : أن يشتري المريض عبدا بمائتي درهم يساوي مائة .

فقدر المحاباة في ثمنه ، مائة درهم .

فإن صح المشتري من مرضه ، لزمه دفع المائتين ثمنا ، وإن مات من مرضه ، نظر في البائع ، فإن كان وارثا ، لا تجوز له المحاباة في المرض وردت ، وكان مخيرا بين أن يمضي البيع في العبد كله بمائة درهم التي هي ثمن مثله وبين أن يفسخ ويرجع العبد ؛ لأنه باعه بثمن صار له بعضه ؛ فلذلك ثبت له الخيار .

فإن اختار إمضاء البيع ، فلا خيار لورثة المشتري ، لأنهم لم يدخل عليهم نقص .

وإن كان البائع أجنبيا فإن خلف المشتري مع الثمن مائة درهم صحت المحاباة ؛ لأن التركة ثلاثمائة درهم وقدر المحاباة مائة درهم وهي ثلث التركة .

فلو وجد ورثة المشتري بالعبد عيبا لم يعلم به المشتري ، كان لهم في الخيار في فسخ البيع وإبطال المحاباة واسترجاع الثمن كله ؛ لأن المحاباة إنما تلزمهم عند احتمال الثلث لها إذا لم يحدث خيار يستحق به الفسخ .

ألا ترى أن المريض لو رآه لا يستحق به الفسخ ، فكذلك ورثته .

وإن لم يخلف المشتري شيئا سوى الثمن وهو مائتا درهم ، صحت المحاباة بثلث المائتين وذلك ستة وستون درهما وثلثا درهم ، ويكون للبائع الخيار في إمضاء البيع في العبد كله بمائة درهم وستة وستين درهما وثلثي درهم ويرد الباقي الذي لا يحتمله الثلث وهو ثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم .

فإذا عاد إلى الورثة معهم عبد يساوي مائة درهم صار معهم مائة درهم وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ، فذلك مثلا ما خرج بالمحاباة ، ثم على هذا القياس .

ويكون الفرق بين المحاباة في الشراء والمحاباة في البيع من وجهين :

أحدهما : أن ما لا يحتمله الثلث من المحاباة في البيع يكون مردودا من المبيع دون الثمن ، وما لا يحتمله الثلث من المحاباة في الشراء يكون مردودا من الثمن دون المبيع .

والفرق الثاني : أنه إذا زادت المحاباة في البيع ، كان الخيار للمشتري دون البائع .

وإذا زادت المحاباة في الشراء ، كان الخيار للبائع دون المشتري ، فلو اشترى المريض من مريض عبدا يساوي مائة درهم بعبد يساوي مائتي درهم ، فمشتري العبد الأعلى غابن ، فلا خيار لورثته ، ومشتري العبد الأدنى مغبون ، فإن لم يخلف غير العبد الذي دفعه ثمنا وقيمته مائتا [ ص: 295 ] درهم ، فلورثته أخذ العبد الأدنى بخمسة أسداس العبد الأعلى ، ولورثة صاحب الغبن الأدنى الخيار في إمضاء البيع أو في الفسخ .

وهكذا الغبن في المرض يجري مجرى المحاباة في اعتبارها من الثلث .

فلو اشترى المريض عبدا بأكثر من ثمنه ، ثم اشترى عبدا ثانيا بأكثر من ثمنه ، فإن كان الثلث يحتمل المحاباة في العبدين ، لزمت المحاباة فيهما .

وإن كان الثلث يحتمل المحاباة في أحدهما ويعجز في الآخر ، قدمت المحاباة في الأول ، ثم جعل ما بقي من الثلث مصروفا في محاباة الثاني .

ولو كان الثلث بقدر المحاباة في العبد الأول جعل الثلث مصروفا في محاباة العبد الأول وزادت المحاباة في العبد الثاني ، فعلى هذا لو وجد ورثة المشتري بالعبد الأول عيبا ، فلهم الخيار في إمضاء البيع فيه ورده .

فإن أرضوه فالمحاباة فيه هي اللازمة ، دون المحاباة الثانية .

وإن ردوه ، أمضيت المحاباة في العبد الثاني وصار الثلث مصروفا إليهما ؛ لأن الميت قد جعل ثلث ماله لها وإنما اختص الأول به لتقدمه ، فإذا امتنع منه بالفسخ صار الثاني ؛ لأن إخراج الثلث لازم للورثة في حق أحدهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية