الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فلو اختلف ورثة الميت البائع والمشتري ، فقال ورثة البائع للمشتري : حاباك فباعك بأقل من ثمنه ، وأنكر المشتري المحاباة ، أو قال ورثة المشتري للبائع : حاباك فاشترى منك بأكثر من ثمنه ، وأنكر البائع المحاباة ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تكون السلعة باقية .

والثاني : أن تكون تالفة .

فإن كانت باقية فعلى ضربين :

أحدهما : أن يتفقا على أنها لم تزد في بدنها ولا سوقها ولم تنقص .

وإن كان كذلك قطع اختلافهما بتقويم مقومين ، فما قالاه من ظهور المحاباة أو عدمها عمل عليه .

والضرب الثاني : أن يختلفا مع بقائها في سوقها وبدنها ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يذكر مدعي المحاباة أنها كانت زائدة في بدنها أو سوقها عند العقد فنقصت عند التقويم .

وقال منكر المحاباة : لم تزل ناقصة في سوقها وبدنها عند العقد والتقويم ، فالقول قول منكر المحاباة مع يمينه أنه منكر لما ادعي عليه من تقدم الزيادة .

والضرب الثاني : أن يذكر مدعي المحاباة أنها لم تزل عند العقد والتقويم على هذه الزيادة في سوقها وبدنها ويذكر منكر المحاباة أنها كانت ناقصة عند العقد ، فزادت عند التقويم في سوقها أو بدنها .

[ ص: 296 ] فالقول قول مدعي المحاباة مع يمينه ؛ لأنه منكر لتقدم النقصان ، فهذا حكم اختلافهما إذا كانت السلعة باقية .

فأما إذا كانت تالفة لا يمكن الرجوع إلى تقويمها ، فإنهما يتحالفان ؛ لأن اختلافهما في المحاباة مئول إلى الاختلاف في قدر الثمن أو قدر المثمن .

وإذا باع المريض كد طعام يساوي ثلاثمائة درهم لا مال له غيره ، بكد شعير يساوي مائة درهم ، فقدر المحاباة مائتا درهم والثلث مائة درهم ، فللورثة أن يأخذوا كد الشعير بثلثي كد الطعام وقيمته مائتا درهم ، قد دخلها من المحاباة قدر الثلث مائة درهم ، ثم الخيار لصاحب الشعير ؛ لأنه قد أخذ بكل الشعير بعض الطعام ، ولا خيار لصاحب الطعام ؛ لأنه قد أخذ ببعض الطعام كل الشعير .

ولو كان كد الشعير يساوي مائة وخمسين درهما ، كان لورثة صاحب الطعام أن يأخذوا كد الشعير بخمسة أسداس كد الطعام ؛ لأن الثلث مائة درهم ، فإذا زدته على ثمن الشعير صار مائتين وخمسين درهما ، وذلك يقابل خمسة أسداس ثمن الطعام ؛ فلذلك أخذ خمسة أسداسه .

فلو باع المريض كد طعام يساوي مائتي درهم ، بكد طعام يساوي مائة درهم ، فيحتاج في اعتبار هذه المحاباة من الثلث إلى أن يكون الخارج منها داخلا في قدر يتساوى فيه الطعام بالطعام ؛ لأن التفاضل فيه حرام .

وإذا كان كذلك صح البيع في ثلثي كد من الطعام الأجود ، بثلثي كد من الطعام الأدنى ؛ لأن التركة مائتا درهم ، ثلثها ستة وستون درهما وثلثا درهم وقد حاباه في الكد الأجود بمائة درهم ، فإذا أخذ ثلثي كده من الطعام الأجود قيمته مائة درهم وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ، بثلثي كد من الطعام الأردإ وقيمته ستة وستون درهما وثلثا درهم ، كان قدر المحاباة بينهما ستة وستين درهما وثلثي درهم وهو قدر الثلث .

وأحضر بابا تصل إلى الاستخراج للعمل فيه ، بأن استخرجته سهل الطريقة واضح العمل ، وهو أن تنظر قدر المحاباة وقدر الثلث ، ثم تنظر قدر الثلث والمحاباة ، فإذا ناسبه إلى جزء معلوم فهو القدر الذي إن أنفذ البيع فيه استوعب ما احتمله الثلث من المحاباة من غير تفاضل .

مثاله : أن تقول : إذا باع الكد المساوي مائتي درهم بالكد المساوي مائة درهم أن المحاباة بينهما مائة درهم وقدر الثلث ستة وستون درهما وثلث درهم ، فإذا قابلت بين الثلث والمحاباة وجدت الثلث مقابلا لثلثي المحاباة ، فتعلم بذلك أن ثلثي المعقود عليه إذا بيع بمثله استوعب ( ثلث ) التركة .

فعلى هذا إذا باع كدا يساوي ثلاثمائة درهم ، بكد يساوي مائة درهم فعمله بالباب الذي قدمته أن تقول : [ ص: 297 ] قدر المحاباة مائتا درهم والثلث مائة درهم والمائة نصف المائتين فيعلم أن قدرها يحتمل الثلث من المحاباة وهو نصف كد من الطعام الأجود قيمته مائة وخمسون درهما ، بنصف كد من الطعام الأردإ قيمته خمسون درهما وبينهما من الفضل مائة درهم هي قدر الثلث .

ولو باع كد طعام يساوي أربعمائة درهم ، بكد طعام يساوي مائة درهم ويخلف البائع مع الكد مائتي درهم ، فالتركة ستمائة ، ثلثاها مائتا درهم ، وقدر المحاباة ثلاثمائة درهم ، فكان الثلث مقابلا لثلثي المحاباة ، فيصح البيع في ثلثي كد الطعام الجيد قيمته مائتا درهم وستة وستون درهما وثلثا درهم وبينهما من الفضل مائتي درهم هي قدر الثلث .

فلو باعه كدا من طعام يساوي خمسمائة درهم ، بكد من طعام يساوي مائة درهم وخلف مع الكد الذي باعه مائة درهم ، فالتركة ستمائة درهم ثلثاها مائتا درهم ، وقد حاباه بأربعمائة درهم ، فكان الثلث نصف المحاباة ، فيصح البيع في نصف كد من الطعام الجيد ، قيمته مائتان وخمسون درهما ، بنصف كد من الطعام الأردإ قيمته خمسون درهما وبينهما من الفضل مائتا درهم هي قدر الثلث .

ثم على هذا القياس والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية