الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ثم يغرف الماء بيديه فيغسل وجهه ثلاثا من منابت شعر رأسه إلى أصول أذنيه ومنتهى اللحية إلى ما أقبل من وجهه وذقنه " .

قال الماوردي : وهذا كما قال غسل الوجه أول الأعضاء الواجبة في الوضوء ، والدليل على وجوبه قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [ المائدة : 6 ] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي : توضأ كما أمرك الله تعالى ، اغسل وجهك وذراعيك ، وامسح برأسك ، واغسل رجليك ، وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه وغسل رجليه ، وقال : " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " وأجمع المسلمون على وجوب غسله ، فإذا ثبت ذلك فحد الوجه مختلف في العبارة عنه فحده المزني هكذا فقال : من منابت شعر رأسه إلى أصول أذنيه ومنتهى اللحية إلى ما أقبل من وجهه وذقنه .

وحكى الربيع ، عن الشافعي في كتاب الأم أن حد الوجه أوجز من هذا اللفظ وأوضح من هذا الحد فقال : حد الوجه من قصاص الشعر وأصول الأذنين إلى ما أقبل من الذقن واللحيين ، وقد حده بعض أصحابنا بغير هذين فقال : حده طولا من قصاص الشعر إلى الذقن وعرضا من الأذن إلى الأذن .

[ ص: 108 ] فأما حد المزني ففاسد ؛ لأنه حد الوجه بالوجه ، وإذا كان الوجه محدودا بما وصفنا ، فالاعتبار بالغالب من أحوال الناس . فلو أن رجلا استعلى شعر رأسه حتى ذهب من مقدمه كالأجلح كان ذلك من رأسه ، ولو انحدر شعر رأسه حتى دخل في جبهته كالأغم كان من وجهه وأنشد الشافعي قول هدبة بن خشرم :


فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا

فسمى موضع الغمم وجها وإن كان عليه شعر .

التالي السابق


الخدمات العلمية