الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو قال لأقربهم بي رحما أعطي أقربهم بأبيه وأمه سواء وأيهم جمع قرابة الأب والأم كان أقرب ممن انفرد بأب أو أم ، فإن كان أخا وجدا للأخ في قول من جعله أولى بولاء الموالي " .

قال الماوردي : قد ذكرنا في الوصية للقرابة أنه يشترك فيها القريب والبعيد إذا كان اسم القرابة عليهم منطلقا ، أو كان في جملتهم داخلا .

فأما إذا قال ثلثي لأقرب الناس إلي ، أو قال لأقربهم رحما لي ، فلا حق فيه للأبعد مع وجود من هو أقرب ، وإذا كان هكذا راعيت الدرجة ، فأيهما كان أقرب كان أحق وإن استوت الدرجة تشاركوا ، ويستوي فيه من أدلى بأم ومن أدلى بأب ، فإن كان فيهم من أدلى بالأبوين معا كان أولى ممن أدلى بأحدهما .

فعلى هذا الأولاد عمود وهم أقرب من الآباء ، لأنهم بعض الموصي وأقرب الأولاد صلبه ، فإن كان واحدا أخذ الثلث كله ذكرا كان أو أنثى مسلما كان أو كافرا وارثا أو غير وارث إذا أجاز الورثة الوصية للوارث ، بخلاف ما لو قال لقرابتي ، فلا يدخل فيهم وارث ؛ لأنه بالأقرب قد عين به ، ثم هو بعد أولاد صلبه لأولاد ولده دون من نزل عنهم بدرجة ، يستوي فيه [ ص: 306 ] أولاد البنين وأولاد البنات ، ثم هو بعدهم لأولادهم وأهل الدرجة الثالثة ، ثم هو بعد الثالثة لأهل الدرجة الرابعة هكذا أبدا .

فإذا عدم عمود الأولاد ، فالأبوان وهما الأب والأم يشتركان فيه دون غيرهما ، فإن عدم أحدهما كان الثلث للباقي منهما ، سواء كان أبا أو أما .

فإن عدم الأبوان ففيه قولان :

أحدهما : أن الإخوة والأخوات أقرب من الأجداد والجدات ؛ لأنهم قد راكضوه في الرحم ، فإن كانوا لأب فهو بينهم بالسوية وإن كانوا لأم فهو بينهم بالسوية ، وإن كان بعضهم لأب وبعضهم لأم فهو بين جميعهم ذكرهم وأنثاهم فيه سواء ، وإن كان بعضهم لأب وبعضهم لأم بالسوية وبعضهم لأب وأم ، فمن كان لأب وأم فهو أقرب وأحق لقوته بها على ما تفرد بأحدهما .

ثم بعد الإخوة والأخوات بنوهم وبنو بنيهم وإن سفلوا يكونوا أقرب من الجد وإن دنا ، ويشترك في ذلك أولاد الإخوة وأولاد الأخوات كما اشتركوا فيه أولاد البنين وأولاد البنات ؛ لأنهم أخذوا باسم القرابة لا بالميراث ، ثم هكذا بطنا بعد بطن .

وإذا عدموا عدلنا حينئذ إلى الأجداد والجدات ، فيكون بعدهم لجدين وجدتين ، جد وجدة لأب وجد وجدة لأم فينقسم بينهم أرباعا ، فإن لم يكن أعمام ولا عمات فهم بعدهم لأربعة أجداد وأربع جدات بعد ثلاث درجة فينقسم بينهم أثلاثا .

ثم هو في الدرجة الرابعة بين ثمانية أجداد وثمان جدات ، وإن كان مع جد الأب أعمام وعمات ومع جد الأم أخوال وخالات ، ففيه على هذا القول وجهان :

أحدهما : أن الأعمام والعمات أولى من جد الأب وجدته والأخوال والخالات أولى من جد الأم وجدتها ، كما كان على هذا القول الإخوة أولى من الجدة ويشرك بين الأعمام والعمات وبين الأخوال والخالات لاستوائهما في الدرجة وتكافئهما في القرب .

والوجه الثاني : أنهم يشاركون أجداد الأبوين وجداتهما .

فعلى هذا يجمع مع الأعمام والعمات ومع الأخوال والخالات أربعة أجداد وأربع جدات ، فينقسم ذلك بين جميعهم بالسوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية