الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا كان المودع غائبا عند إرادة المستودع السفر ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون له وكيل في قبضها .

والثاني : ألا يكون له .

فإن كان له وكيل فوكيله هو المستحق بقبضها ؛ لأن يد الوكيل كيد الموكل ، ويكون الحكم في عدول المستودع إلى غيره كالحكم في عدوله عن المودع مع حضوره على ما ذكرنا من التقسيم والجواب ، وإن لم يكن له وكيل فالمستحق لقبضها هو الحاكم ، فإن دفعها إليه لزمه الإشهاد على نفسه بالقبض ، فإن عدل عن الحاكم مع كونه مأمونا فدفعها إلى أمين ثقة ، ففي ضمانه وجهان :

أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا ضمان عليه وهو ظاهر كلام الشافعي ؛ لأن الأمين عليها يمكن أن يحاكمه المودع فيها إلى الحاكم ويقيم البينة بما عنده ولا يمكن أن يفعل ذلك مع الحاكم .

والوجه الثاني وهو قول أبي سعيد الإصطخري وأبي علي بن خيران وابن أبي هريرة : يضمن ؛ لأن اختيار الحاكم واختيار الأمين اجتهاد ، ولأن نظر الحاكم عام ونظر الأمين [ ص: 360 ] خاص ، فإن لم يجد حاكما أو كان إلا أنه غير مأمون جاز أن يختار لها أمينا ثقة يستودعه إياها ؛ لأنه لا يقدر على غير ذلك في حفظها ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أودع ما خلفه من الودائع عند أم أيمن حين هاجر واستخلف عليا في الرد رضي الله عنه .

وهل يلزمه الإشهاد عليه عند دفعها إليه أم لا ؟ أحدهما : يلزمه الإشهاد عليه خوفا من تغير حاله وحدوث جحوده ، فعلى هذا إن لم يشهد عليه ضمنها .

والوجه الثاني : لا يلزمه الإشهاد عليه ؛ لأنه ينوب عن المالك ، ولأن قول الأمين في الرد مقبول ، فعلى هذا إن لم يشهد عليه لم يضمنها ، فإن لم يجد ثقة يستودعه إياها لم يخل حينئذ حال المصر والسفر من أربعة أقسام :

أحدها : أن يكون المصر مخوفا بغارة ، أو حريق والسفر مأمونا ، فعليه أن يسافر بالمال معه ؛ لأنها حال ضرورة هي أحفظ وأحرز ، فإن تركها وسافر كان ضامنا وإن سافر بها لم يضمنها .

والقسم الثاني : أن يكون المصر مأمونا والسفر مخوفا ، فعليه تركها في المصر على ما سنذكره ولا يجوز أن يسافر بها ، فإن سافر بها ضمن .

والقسم الثالث : أن يكون المصر مخوفا والسفر مخوفا ، فلا يجوز أن يسافر بها ؛ لأنه إذا استوى الخوفان كان خوف السفر أعم .

والرابع : أن يكون المصر مأمونا والسفر مأمونا ، ففي جواز السفر بها وجهان :

أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي والظاهر من كلام الشافعي : لا يجوز أن يسافر بها ، فإن سافر بها ضمن ؛ لأن السفر أخطر .

والوجه الثاني وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : يجوز أن يسافر بها ولا ضمان عليه ، لاستواء الأمن في الحالين وفضل حفظه لها بنفسه في السفر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية