الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي " ولو قال دفعتها إلى فلان بأمرك ، فالقول قول المودع ، ولو قال دفعتها إليك فالقول قول المودع " .

قال الماوردي : وهما مسألتان :

إحداهما : أن يدعي المستودع رد الوديعة على مالكها .

والثانية : أن يدعي دفعها إلى غير مالكها بإذنه ، فالقول قوله في الرد مع يمينه ، سواء كان المودع قد أشهد عليه عند الدفع للوديعة إليه أو لم يشهد .

وقال مالك : إن كان المودع قد أشهد عليه عند الدفع لم يقبل قول المستودع في الرد ، وإن لم يشهد عليه فقبل قوله استدلالا بأنه إذا لم يشهد عليه فقد رضي بأمانته قبل قوله عليه ، فإذا أشهد عليه لم يرض بأمانته فلم يقبل قوله عليه وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أنه لما كان قوله في التلف مقبولا مع الشهادة وعدمها وجب أن يكون قوله في الرد مقبولا مع الشهادة وعدمها .

والثاني : أنه لما كان قول الوكيل مقبولا في الحالين وقول المقرض والمستعير في الرد غير مقبول في الحالين ، كان المستودع ملحقا بأحد الأصلين في أن يكون قوله في الرد مقبولا في الحالين أو مردودا في الحالين ، فلما كان في أحد الحالين مقبولا وجب أن يكون في الآخر مقبولا .

فإذا تقرر مقبول القول في الرد فإنما يقبل قوله ما كان على أمانته ، فلو ضمنها بتفريط أو عدوان لم يقبل قوله في الرد وكان القول قول المودع مع يمينه وله الغرم ، وهكذا لو مات المودع فادعى المستودع رد الوديعة على وارثه لم يقبل قوله ؛ لأنه وإن لم يصر بموت المودع ضامنا فقد صار بموته خارجا من عقد الوديعة وولاية النظر ، ولأنه يصير مدعيا للرد على غير من ائتمنه ، فصار كالوصي الذي لا يقبل قوله في رد مال اليتيم عليه ، وهكذا لو مات المستودع فادعى وارثه رد الوديعة على المودع لم يقبل قوله عليه ، لما ذكرنا من المعنيين : ارتفاع العقد بالموت وعدم الائتمان في الوارث .

[ ص: 372 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية