الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن كان المدفوع إليه مقرا بقبضها منه فالمودع بالخيار في الرجوع بغرمها على أيهما شاء ، فإن رجع بها على المستودع كان له لعدوانه بالدفع ، وإن رجع بها على المدفوع إليه كان له لعدوانه بالقبض ، فإذا رجع بهما على أحدهما وأراد الغارم لهما الرجوع بها على صاحبه نظر في سبب الدفع فستجده على خمسة أقسام :

أحدها : أن يقول أمرني بدفعها قرضا .

والثاني : عارية .

والثالث : قضاء من دين .

والرابع : هبة .

والخامس : وديعة . فإن قال : أمرني بدفعها قرضا أو عارية ، فالحكم فيهما سواء ، لاشتراكهما في الضمان ، فإن كان المالك قد رجع بالغرم على الدافع ، رجع الدافع به على [ ص: 373 ] الآخذ ، وإن كان قد رجع بالغرم على الآخذ لم يرجع الآخذ به على الدافع ، وإن قال : أمرني أن أدفعها قضاء من دين ، فإن كان المودع معترفا بالدين وحلوله وكانت الوديعة من جنسه ، فلا رجوع له بالغرم على واحد منها ؛ لأنها مستحقة في دينه وإن لم يأذن بها ، وإن كان منكرا للدين كان له الرجوع بالغرم على أيهما شاء ، فإن رجع به على الدافع نظر ، فإن صدق الآخذ في الدين لم يرجع الدافع عليه بالغرم وإن لم يصدقه رجع به عليه ، وإن رجع به على الآخذ لم يرجع الآخذ به على الدافع بكل حال ، سواء صدقه على دينه أو كذبه ، وإن قال الدافع : أمرني بدفعها هبة ، نظر فإن رجع المودع بالغرم على الدافع لم يرجع الدافع على الآخذ ، فإن رجع بالغرم على الآخذ لم يرجع الآخذ على الدافع ، وإن قال الدافع : أمرني بدفعها وديعة ، نظر ، فإن رجع المودع على الدافع لم يرجع الدافع على الآخذ ، وإن رجع بالغرم على الآخذ ففي رجوع الآخذ به على الدافع وجهان :

أحدهما : ألا رجوع له ؛ لأنه مقر أنه مظلوم به .

والثاني : يرجع به ؛ لأن الدافع ألجأه إلى الغرم بائتمانه له ودفعه إليه ، فهذا حكم المودع إذا أنكر الإذن .

التالي السابق


الخدمات العلمية