الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما وصفنا ومات المستودع ، فلا يخلو حال الوديعة من أحد أمرين :

إما أن تكون موجودة بعينها أو غير موجودة ، فإن كانت موجودة وعينها باقية لزم الوارث تسليمها إلى مالكها وذلك بأحد ثلاثة أمور : إما بوصية الميت ، وإما بإقرار الوارث ، وإما ببينة يضمها المودع ، فإن لم تكن بينة ولا وصية وأنكر الوارث وادعاها ملكا فالقول فيها قوله مع يمينه ، هذا إذا كانت الوديعة موجودة بعينها ، فأما إذا لم توجد الوديعة بعينها فهذا على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يعلم تلفها بغير تفريط إما بوصية الميت أو ببينة تشهد بذلك ، فلا ضمان في تركة الميت ، فإن أكذب المالك الميت في وصيته بتلفها فله إحلاف الورثة ثم هم براء .

والقسم الثاني : أن يعلم أنها تلفت بتفريطه وتعديه إما بوصية أو ببينة تشهد له بذلك ، فهي مضمونة في ماله ويحاص المالك بها جميع الغرماء .

والقسم الثالث : أن يجهل حالها فقد قال الشافعي : ويحاص رب الوديعة الغرماء ، فاختلف أصحابنا في ذلك على أربعة مذاهب :

أحدها وهو ظاهر كلام الشافعي : أنها مضمونة في تركة الميت وهو قول أبي حنيفة ؛ لأن الظاهر من ثبوت يده عليها أنها تلفت بفعله .

والمذهب الثاني : أنها غير مضمونة في تركته وهو قول ابن أبي ليلى ؛ لأن الأصل بقاؤه على أمانته .

والمذهب الثالث : أنه إن وجد في تركته من جنسها كانت مضمونة فيها ، وإن لم يوجد من جنسها شيء في تركته لم يضمن ، وهذا قول أبي حامد المروزي ؛ لأن الظاهر من وجود جنسها أنها فيه أو منه .

والمذهب الرابع : أنه إن ذكر في وصيته عند موته أن عنده وديعة كانت مضمونة في تركته وإن لم يذكر ذلك لم يضمن ؛ لأنه لا يوصي بالوديعة إلا وهي عنده أو عليه ، ثم إذا صارت على ما ذكرنا من هذه الوجوه مضمونة في تركته ، فإن لم يكن في التركة من جنسها شيء حاص رب الوديعة بها جميع الغرماء ، وإن كان في التركة شيء من جنسها فيه وجهان :

أحدهما : يتقدم بها على الغرماء اعتبارا بالظاهر من الجنس أنه منها .

والوجه الثاني : يكون أسوتهم ولا يتقدم عليهم اعتبارا باليقين في الاشتراك .

التالي السابق


الخدمات العلمية